سلمان بن محمد العُمري
بين يدي إحصائية حديثة للإدارة العامة للمرور سجلت في ثناياها 38 مليونًا و805 آلاف و310 مخالفات مرورية في مختلف مناطق المملكة خلال العام الماضي 1439هـ، وسجلت هذه المخالفات ارتفاعًا بنسبة 222 في المائة عن العام قبل الماضي 1438هـ، والذي بلغت فيه المخالفات 12017804 مخالفة.
لا يهمني في هذه الإحصائية كم عوائدها المالية ولا أنواع المخالفات المرورية، بل يهمني هو كيف زادت المخالفات المرورية على الرغم من وجود (ساهر)، ولماذا لم يكن رادعًا، ويهمني أيضًا ماذا قامت به الإدارة العامة للمرور من تخصيص جزء من إيرادات المخالفات من التوعية المرورية بين أوساط السائقين والسائقات، فكم في المقابر من ضحايا الحوادث المرورية والمخالفات؟، وأولها السرعة وثانيها الجوالات، وكم في المستشفيات من قعيد مصيبته جراء رعونته وحبيس علته من أثر مصيبته؟ فالأرواح أهدرت، والأعضاء قطعت، والنساء ترملت، والأسر تشردت، والأطفال تيتمت نتيجة الحوادث المرورية، وكان بالإمكان تقليل الحوادث وتخفيف المصائب لو تم إتباع القواعد المرورية وتجنب أسباب الحوادث.
لن أحدثكم عن نتائج (التفحيط) ولا حوادث الطرق بل هناك حوادث مميتة ومعيقة وقعت ليس في شوارع المدن بل في وسط الأحياء السكنية، وكانت الأسباب متعددة فمن سرعة جنونية إلى استخدام الجوال، وعدم استخدام حزام الأمان إلى عدم سلامة المركبة ومنها (الفرامل)، وكم ودعنا من قريب أو حبيب نتيجة لحوادث المرور إما بخطأ منه أو خطأ من سائق آخر تجنى عليه وعلى غيره ممن استهزأ بحياة الناس ولم يعرها اهتمامًا فأهلك نفسه وأهلك غيره في هذه الحوادث المختلفة الأسباب والمتباينة الحالات وجماعها كلها عدم مراعاة واحترام حقوق وآداب الطريق.
إن كف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق الواجبة على كل إِنسان، والأذى كلمة جامعة لكل ما يؤذي الناس من قول وعمل، ومن أبرز الأذى في زماننا هذا أذية الطرقات ممن لا يلتزمون بآداب الطريق وينتهكون الحرمات بالسرعة الجنونية والتضييق على الناس وكأن الطريق لهم وحدهم بل وربما التعدي عليهم مما يؤدي إلى هلاك النفس وضياع الروح والوقوع في المحذورات وهناك اعتداء من نوع آخر ممن لا يتأكد من سلامة سيارته ولا يسير باطمئنان وينشغل بالقيادة بالحديث مع الركاب أو بهاتف الجوال فلا يحافظ على طريقه ولا على سلامته ولا سلامة الآخرين.
إن السماحة في الأقوال والأعمال مطلب جليل وعمل فضيل وهي كلمة لفظها جميل ومعناها نبيل، وآثارها نافعة، وثمارها يانعة، ومدلولاتها واسعة، ومنها السماحة عند قيادة المركبة، ومن معاني السماحة اللين والسهولة وحب التيسير والبعد عن العسير فلا يخاصم ولا يناكف لا بقول ولا بعمل.
يقول الرسول صلى الله علية وسلم: «أَلَا أَدَلُّكُمْ عَلَى مَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تَحَلَّمُ عَنْ مَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ..» الحديث. فالسماحة مطلب في جميع أمور حياتنا ومنها قيادة السيارات في الطرقات.
وللإدارة العامة للمرور أقول: إن التوعية المرورية مطلب في كل وقت وحين وهي أشبه بالنصيحة الدينية والدنيوية التي تطلب وأصل من أصول التربية وهي واجبة في حق كل فرد ومجتمع، وقد حصر الرسول صلى الله علية وسلم الدين في النصيحة لعلو شأنها وعظم أمرها وجم فوائدها، وهي باب من أبواب الخير نحتاج إليه في جميع شؤوننا، وهذه النصيحة والتناصح والتوعية بآداب المرور وأخلاقياته ليست مسؤولية المرور وحده بل هي مسؤولية المجتمع بأسره من قيم وتربية وإعلام، ويجب أن نرسخ أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا بأن المسلم يحب لغيره ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، والمجتمع كالأسرة تسعد كثيرًا إذا استقام أفرادها على الجادة وسارت حياتهم على أعمال محمودة وقيم إسلامية، ويحل الشقاء والهلكة والأذى إذا طبعت النفوس على مسلك الأنانية وعدم التناصح.