د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
لقد قدَّر الله أن تواجه المملكة قدرًا تاريخيًا وجغرافيًا، أدى إلى أن أصبحت إحدى الدول الأكثر تأثيراً وتأثراً في الأحداث التي يمر بها العالم في كل مكان وزمان، وقد اتسم تعامل وتفاعل المملكة مع هذه الأحداث بالكثير من الحسم والخيار.
ولأن المملكة اختارت أن نكون جزءاً من هذا العالم وشريكاً فيه، فقد بذلت ولا تزال جهوداً كبيرة ومضنية أحياناً، لتحقق أهدافها الذاتية اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وإصلاحيًا من جهة، ولتساهم في تحقيق أهداف المجتمع الدولي من جهة أخرى. ونتيجة لذلك، أصبحت السياسة الخارجية هي حجر الزاوية الأساس في علاقات المملكة بالعالم الخارجي.
وينظر إلى العلاقات السياسية السعودية بالولايات المتحدة من بين أهم علاقات المملكة الخارجية، وتعود دبلوماسياً إلى تلك المرحلة التي فتحت مجال التنقيب عن النفط في المملكة، والتي أسفرت عن اكتشاف أعظم احتياطي بترولي في العالم المعاصر، أدى مع الوقت، إلى تحول اقتصادي واجتماعي سعودي مذهل.
وتمثّل العلاقات السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية ركناً أساساً في سياستها الخارجية، وذلك من حقيقة أن المملكة تتمتع منذ ثمانين عاماً بعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة من جهة، ومن منطلق أن الولايات المتحدة تمثّل أكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وتقنية في العالم من جهة أخرى، ما يعني أن المحافظة على هذا المستوى من العلاقات هو أمر حيوي يتطلب تنميته وتطويره، على كافة الأصعدة وبشكل دائم.
ويؤكّد لنا واقع العلاقات السياسية الخارجية بين البلدين، أنه رغم ما شهدته العلاقات بينهما من توترات وأزمات في فترات زمنية متفاوتة، إلا أنها بقيت علاقة شراكة إستراتيجية واضحة المعالم، ما جعل الكثير من المحللين والمراقبين الإقليميين والدوليين، يشعرون بأن تلك الأزمات، هي التي ساعدت على تحصين العلاقة، إدراكاً من قادة البلدين بأن المصالح المشتركة، لا تجيء إلا عبر الرؤى المتقاربة، وإن لم تكن متطابقة.
ولذلك، نرى أنه من الإنصاف، أن نصف علاقاتنا وتعاوننا مع الولايات المتحدة، بحجر زاوية في سياستنا الخارجية، فالصداقة والتعاون بيننا أصبحتا أكثر قوةً ونضجاً عبر السنين.
فللسعودية والولايات المتحدة رؤى وأهداف متماثلة، فيما يتعلّق بالكثير من التحديات والأحداث التي يواجهها المجتمع الدولي، وتحاولان جاهدتان أن تخلقا حلولاً للمشاكل وتحققاً السلم والاستقرار، معتمدتان في ذلك على قيمهما المشتركة.
ولم تغيّر التطورات والمستجدات في المنطقة والإقليم والعالم من طبيعة العلاقات الأساسية بين البلدين، ويتضح ذلك جلياً من خلال الزيارات والجولات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، التي كانت الرياض ولا تزال، محطة أساسية فيها، ما يُشعر المراقب بأن هناك إرادة مشتركة للحفاظ على العلاقات وتطويرها، على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
ولقد أسست تلك الإرادة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر المؤلمة، على التطور الإيجابي في العلاقات، بما في ذلك إزالة القضايا الخلافية العالقة، حيث يعمل القادة في البلدين على عدم السماح ما أمكن، لأي قضية أن تعرقل وتيرة التعاون بينهما، مستندين في ذلك إلى قناعة بأن الحوار والتعاون، هما السبيل الأمثل والأجدى، لتجاوز وإزالة كل ما يظهر على السطح من خلاف.
وفي هذا الصدد، فإن الجانبين يؤكدان دائماً على التوافق بينهما، رغم بعض بوادر سوء الفهم الذي يحدث بين الفينة والأخرى. فعلى سبيل المثال، عندما ذكر الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله- في كلمته في إحدى القمم العربية «أن ما يجري في العراق احتلال أجنبي غير مشروع، وأننا لن نسمح لقوى من خارج المنطقة أن ترسم مستقبل المنطقة» طلبت واشنطن حينها إيضاحاً حول ما قاله الملك عبدالله، ولكن العلاقات لم تتأثر.
وفي الختام، نؤكّد على أن الولايات المتحدة، ورغم الأهمية التي تحظى بها القيادات السياسية فيها، فإنها ليست ممثلة بالرئيس، ولا بوزير خارجيته، بل ممثلة بالشعب الأمريكي ممثلاً بشيوخه ونوابه، ومنظماته المدنية وبمكوناته المختلفة والمتعدِّدة، الأمر الذي يتطلب منا، نحن السعوديين، التركيز المستقبلي في تعزيز علاقاتنا بالولايات المتحدة على عمل مؤسسي مدني، موازٍ للجهود الحكومية، فلعلنا نرتقي بعلاقاتنا بشرائح المجتمع المدني الأمريكي، إلى المستوى المتميز من العلاقات التي تحظى بها علاقاتنا الرسمية.