تقديم المترجم: هذه المادة مترجمة بتصرّف عن الفصل الخامس من كتاب «الصحافة العربية» للبروفيسور ويليام رف، طبعة يناير 2004. السفير البروفيسور ويليام رف هو أستاذ زائر للدبلوماسية العامة في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية. وعمل دبلوماسياً للولايات المتحدة خلال 1964- 1995، حيث أدى تسع مهام دبلوماسية في العالم العربي. حصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا الأمريكية. كما أنه عضو في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت. وتشكِّل هذه المادة الفصل الثاني من كتاب «الصراع السياسي والتحيز للحضر في الصحافة الكويتية المعاصرة» الذي صدر مؤخراً من إعداد وترجمة وتعليق حمد العيسى، ومن تأليف الباحث النرويجي د. كتيل سلفيك وآخرين، وصدر في 648 صفحة عن منتدى المعارف في بيروت. وننشر هنا موجزاً لهذا الفصل بعد حذف الجداول التي لا تناسب النشر الصحافي. وينبغي قراءة هذه المادة في سياق تاريخ نشرها عام 2004:
ثانياً: الصحافة الكويتية
توجد بعض أوجه التشابه الهيكلي بين أنظمة الإعلام المطبوع في الكويت مع الصحافة في لبنان، كما توجد بعض الاختلافات. وتنتج الكويت عدداً كبيراً من الصحف بالنسبة إلى حجمها، وبلغت جودة صحفها مستوىً رائعاً في وقت مبكر من السبعينيات. وبحلول عام 1979، كانت تصدر سبع صحف يومية ورقية في الكويت (خمس صحف بالعربية، واثنتان بالإنكليزية) مع توزيع يقدر بأكثر من 124.000 نسخة يومياً لجميع تلك الصحف، بالرغم من أن عدد السكان كان لا يزال تحت المليون ونسبة «محو أمية» الكبار 60 % فقط. وبحلول عام 2002، حدثت قفزة مذهلة في أرقام توزيع الصحف حيث أصبحت الصحف اليومية السبع توزع ما مجموعه حوالي 500000 نسخة (نصف مليون نسخة)، على الرغم من أن عدد السكان كان لا يزال 1.8 مليون فقط ونسبة «محو الأمية» 78 % فقط. كما كان هناك أكثر من 12 صحيفة ومجلة أسبوعية وعدد مماثل من الدوريات الأخرى التي تصدر في الكويت أيضاً. وكانت جميع الصحف اليومية معروفة خارج الكويت، حيث كانت تحقق أرقام مبيعات جيدة. وقد حظيت تلك الصحف بشعبية في دول الخليج؛ ولكن بعضها اكتسبت قراء في أماكن أخرى في العالم العربي أيضاً.
التنوّع بين الصحف
لقد كانت الصحافة في الكويت، مثل لبنان، تتبع للقطاع الخاص، وتُظهر درجة كبيرة من التنوع (انظر: جدول-2 في الكتاب). وقد طوّرت الصحف الكويتية المطبوعة درجة من التنوع، والمنافسة، والجرأة التي تجعل الصحافة الكويتية تماثل إلى حد ما الصحافة اللبنانية، بالرغم من أن الصحافة اللبنانية بطبيعتها أكثر جرأة نوعاً ما وتملك تقاليد صحافية أكثر رسوخاً؛ لأنها تأسست قبل الصحافة الكويتية بخمسة وسبعين عاماً. ويبدو أن الصحافة الكويتية اليافعة (التي بدأت في عام 1928) تتجه نحو مسار الصحافة اللبنانية، بالرغم من اختلاف بيئتها السياسية إلى حد ما عن لبنان.
وتعود ملكية جميع الصحف الكويتية إلى أسر كويتية ثرية؛ فـ«القبس» تملكها خمس عائلات تجارية، والصحف الأخرى تتبع كل منها أسرة واحدة وتدار كشركات عائلية. والمدهش هو أن جميع الصحف اليومية تربح بسبب عائدات الإعلانات الممتازة. (*)
ومنذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1991، أصبحت الصحافة الكويتية أكثر تركيزاً على الشؤون الداخلية وأقل تناولاً للمسائل الإقليمية والدولية. وقبل عاصفة الصحراء (عام 1991)، ركّزت الصحف الكويتية تركيزاً كبيراً على قضايا العروبة والقضايا الإقليمية. ويعود هذا التركيز، جزئياً، إلى العدد الكبير من العرب غير الكويتيين المقيمين في الكويت. وبعد عاصفة الصحراء، ركّزت الصحافة كثيراً على الأخبار المحلية. كما كانت أيضاً التوجهات التحريرية للصحف صعبة التصنيف؛ لأنها تتغيّر مع مرور الوقت وحسب القضية. وعلى سبيل المثال، انتقدت جميع الصحف الحكومة والبرلمان وأيضاً دافعت عنهما. كما أن المُلْكِيَّة لم تكن بالضرورة مؤشراً لسياسة التحرير. فعلى سبيل المثال، كان رئيس البرلمان يملك جزءاً من «القبس»؛ غير أن هذا الأمر لم يكن له تأثير واضح على افتتاحيات وأخبار ومقالات الرأي في «القبس». وتحترم جميع الصحف بعض التابوهات الأساسية؛ وهي تحديداً عدم انتقاد الأمير أو وليّ العهد أو الإسلام بشكل مباشر. (17)
وتعدّ «الرأي العام» و«السياسة» أقدم الصحف الكويتية الناجحة، وتأسستا في الستينيات. وتقدّم «الرأي العام» سياسة تحريرية «جريئة» وثابتة ومتسقة، وتدعم بقوة العائلة الحاكمة؛ ولكنها تنتقد أحياناً كبار المسؤولين الحكوميين وبعض الشخصيات العامة. وقد أصبحت «الرأي العام»، في الآونة الأخيرة، الأكثر «إثارة» في الكويت من جميع الصحف اليومية الأخرى. وتميل «السياسة» إلى أن تكون إلى حد ما أكثر جرأة وليبرالية وتنوعاً من «الرأي العام» في تفسيرها للأحداث، وتتناول مجموعة مختلفة من المشاكل بدينامية، وتنشر مجموعة متنوعة وكبيرة من وجهات النظر، وتُخضع الشخصيات العامة من أيّ اتجاه لتمحيص دقيق، وتنشر مقابلات مع القادة العرب وتظهر افتتاحياتها دعماً قوياً للمملكة العربية السعودية. كما تدعم «السياسة» بوضوح أسرة الصباح الحاكمة، وتميل بشكل عام إلى معالجات «معتدلة وأقل عاطفية» من الصحف الأخرى لمختلف القضايا. وأما صحيفة «القبس»، فهي ذات منهج تحريريّ مختلف وناجح جداً. لقد تأسست في عام 1972، وأصبحت خلال 4 سنوات الأعلى توزيعاً في الكويت من جميع الصحف اليومية الخمس؛ ولكنها تراجعت، لاحقاً، إلى المركز الثالث. ولا تناصر «القبس» أيّ خط سياسيّ محدد؛ بل تسعى إلى تلبية مطالب جميع الفصائل الكويتية. إنها ليبرالية إلى حد ما، ومعتدلة في عرضها للأخبار والتعليقات. وتموّلها مجموعة من رجال الأعمال الكويتيين، ولذلك تقدم تغطية جيدة للمسائل الاقتصادية، مع التركيز على المصالح التجارية الكويتية، وتهتم بالشؤون التربوية والبيئية.
... ... ...
هوامش المترجم:
(*): نشرت هذه المادة في يناير 2004، قبل تعديل قانون المطبوعات والنشر عام 2006 والذي سمح بتأسيس صحف جديدة؛ ما أدى إلى زيادة عدد الصحف الكويتية اليومية من 5 إلى 15 صحيفة، وتسجيل خسائر مالية فادحة في عدة صحف خاصة بعد انخفاض حجم الإعلانات بسبب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. للتفاصيل، انظر الفصل الخامس: الصراع السياسي في الصحافة الكويتية المعاصرة. (العيسى)
يتبع
** **
ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com