الثقافية - محمد هليل الرويلي:
وبنينا أمكنة المستقبل فوق أرض الإمارة, والإمارتين والسبع «دولة الإمارات العربية المتحدة», ليس هذا وحسب يا أعرابي بل حتى خطط المستقبل خططنا لها, لنؤمن لمستقبلها الخطط! لم نتركها وحدها تواجه الحياة, وتصارع نوازل الدهر, وتقلبات أمواجها ولم تذرها تتقاذفها تخاطفات الريح من كل الجهات.. هذا الأمر فكرنا فيه جيدًا ووضعناه في الحسبان.. نعم يا أعرابي هذا ما فعلناه, بنينا للمستقبل مستقبلًا يكفل مستقبله, ويضمن نجاحه وتألقه. هذا ما فعلناه لسبع إماراتنا..
أتذكر يا أعرابي حين قلنا لك: لا ترهن عينيك إلى نجوم الثريا السبع فوق «سبع إماراتنا» المتحدة, فستجد غيرها الكثير فوق سماواتنا من الكواكب والأفلاك والأقمار في المجرة تتزاحم لتديم المدى وتطل من علياء فضائنا.. لا تظن أن حديثنا هذا مبالغة, وأصدقنا القول يا أعرابي, هل شهدت أرضًا تتغزل بها النجوم ؟!
هذا هو المعنى والمغزى الذي كنا نعنيه يا أعرابي, تركناك ونظنك الآن في نهاية رحلتك أدركت الأمر, وبلغت ما بلغت جمعه من منتوج حراكنا الأدبي الثقافي.. صمت برهة قليلة وقبل أن أبدأ بالكلام.. لا أعرف لماذا خطرت فيروز بذاكرتي تشجو برائعتها «خلقتني», كل ما أعتقده فقط أن هذه الأغنية الجميلة كتبت وغنيت لكل الأشياء الجميلة في الحياة:
مـن نُعمياتـك لــي ألــف منـوّعـة
وكــلّ واحــدةٍ دنـيـا مــن الـنــور
رفعتِنـي بجنـاحـي قــدرةٍ وهــوى
لعالـمٍ مـن رؤى عينيـك مسحـور
خلقتـنِـي مــن صبـابـاتٍ مـدلـهـةٍ
ظمـأى الحنيـن إلـى دلٍّ و تغريـر
فكيـف اغفلـت قلبـي مــن تجلّده
لمّـا تولّيـت إبداعـي و تصويـري
يا طفلةَ الروحِ حبّات القلوب فدى
ذنـب لحسـنـك عـنـد الله مغـفـور
ميزانيات إحياء التراث
أكد الدكتور «ياسين حزكر», أن منطقة الخليج العربي تشهد على مدى العقدين الأخيرين حراكا ثقافيا مهولا؛ أقل ما يقال عنه: إنه أعاد الاعتبار لكثير من الأجناس الأدبية والإبداعية التي كادت أن تهلك تحت وطأة التطور التكنولوجي المطرد, وعرف هذا الحراك ذروة نشاطه في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ إذ خصصت الدولة ميزانيات ضخمة لإحياء التراث القديم وتشجيع الكتابات الجديدة والانفتاح على الثقافات المجاورة من خلال الترجمة, كل هذا لم يقدم بنية خدمة محلية ضيقة، بل كمشروع عربي عابر لحدود المكان والزمان, فظهرت عدة أسماء إماراتية يصعب أن نختلف حول حقيقة تصدرها المشهد الثقافي. من هؤلاء الكتاب من يعتبر حاليا عرَّاب الشعرية الإماراتية؛ إذ بدأ مع بداية الدولة نفسها وشهد كل التطورات الاجتماعية والحضارية التي أججت شعريته، بل لقد حظي بفرصة مجايلة أكبر الأسماء العربية الشعرية ما بعد سبعينات من القرن الماضي. أقصد هنا الشاعر «حبيب الصايغ» الذي أشهر ولادته الشعرية من خلال ديوانه الأول «هذا بار بني عبس.. الدعوة عامة»؛ هذا الديوان الذي لم يخلُ من قلق الوقت الماضي الآتي، ولم يخل من الشاعرية العابرة لوهم الزمن، حيث يقول:
تشاغبني البيد في ذروة الوحدة العاقلةْ
وزوّادتي فوق ظهري
وعمري نفقْ
ظلامٌ تمدد في الوقت ثم احترقْ
ولا شيءَ حولي سواي
وظلّي يراودني عن نقائي الجريح
ويلفظ باقي الرمقْ..
امتد شعريا إلى ما يفوق الأربعين ربيعا؛ وما زالت شعريته متوقدة حالمة، وما زالت كذلك جذوةً أولمبيةً تعترف بالآخر وتقدح شرارات الإبداع في الأقلام الصاعدة.
ناقد أمير الشعراء
وأضاف: ليس «الصايغ», وحده من يتصدر هذا المشهد؛ فغير بعيد عنه يقف الدكتور علي بن تميم سادنا على قلعة النقد الإماراتي. وإن كنا لا نريد حصر نقديته في برنامج أمير الشعراء؛ إلا أن إطلالته مع كل موسم جديد من هذا البرنامج؛ جعلت المتلقي العربي يتعرف عليه بشكل أفضل في زمن الوسائط التكنولوجية المتطورة التي ألغت هيمنة الكتاب الورقي، ولم تلغِ لذة القراءة فيه. يعرف جميع شعراء العربية ممن تقدموا لبرنامج أمير الشعراء قيمة المواقف النقدية الثابتة التي يتبناها د. علي بن تميم والتي لا تخلو من روح مرحة تلطف النقد وتقدمه للشاعر نفسه في صيغة مقبولة لا تجرح شاعريته في كثير من الأحيان.
«العميمي» بين التراثية والوجود الحداثي
كما ثمة ناقد آخر لا يقل قيمة عن «بن تميم» وهو الأستاذ سلطان العميمي الذي اشتهر بكونه محكما في برنامج شاعر المليون؛ قد ينخدع الجميع بصورته الإعلامية التي اقترنت أكثر شيء بهذا البرنامج؛ ولكن المدقق المحقق في سيرته سيتعرف إلى مثقف مختلف. سلطان العميمي كائن لا يفارقه كتاب؛ وهو كذلك راهب نذر حياته لإنقاذ التراث الشعري النبطي في الإمارات حيث حقق إلى حد الساعة عشرات الكتب، وأنقذ ذاكرة إنسانية من الزوال.. يشتغل العميمي –بعيدا عن برنامج شاعر المليون- في النقد المعجمي ويتناول -بحكم تخصصه- القضايا الشعرية والسردية موظفا نظرية السيميائيات منهجا وتطبيقا.
كما يقوم بعمل بحثي حثيث منذ أكثر من عقد؛ خلاصته أنه جمع آلاف الألفاظ المعجمية الجديدة/القديمة التي لم تتطرق لها المعاجم العربية القديمة على الرغم من شيوعها في مناطق كثيرة من الخليج العربي وخاصة في حدود وسواحل دولة الإمارات العربية المتحدة.. سلطان العميمي الإعلامي مختلف عن سلطان السيميائي، مختلف عن سلطان المعجمي. وتبلغ ذروة اختلافه عندما يدخلنا عوالمه السردية التي يفتَتِقها بين الحين والآخر تارة في الرواية وتارة أخرى في القصة القصيرة؛ إنه يراوح جيئة وذهابا بين هُويته التراثية ووجوده الحداثي.
«المطيري» من أين نأتي بالتراب
لكي نغطي موتنا؟
وإذا شئنا انتخاب صوت نسائي مميز ومعروف على مستوى مساره واشتغاله الإبداعي وتطور تجربته الكتابية، فلن نجد خيرا من الشاعرة شيخة المطيري. شاعرة تكتب بنفس إنساني غير مغرق في الأنوثة المنقوعة في الكحلة. تقول شيخة من قصيدة بعنوان «حصار»:
من أين نأتي بالتراب لكي نغطي موتنا؟
الأرض في زنزانة كبرى تدور..
كل سيجري مستقراً للفناء،
وأنا هنا بعض الفناء
وأنا هنا كلي يدور
ومستقري حفنة، من تراب من كانوا هنا،
هل في القصيدة أي ذاكرة لنا؟
الحركة الغنائية في الإمارات من الصحراء والبحر إلى آفاق بعيدة
وصفت الكاتبة والمحرر أول بقسم الثقافة والمنوعات بجريدة الإمارات اليوم «إيناس محيسن» أن الموسيقى الإماراتية وفي منطقة الخليج عموماً، استمدت إيقاعاتها الأولى من البحر والصحراء، ومنها انطلقت إلى أفق أكثر رحابة وانفتاحاً على موسيقى دول وثقافات أخرى فتأثرت بها وأثرت فيها. وحين النظر في الموسيقى التقليدية في الإمارات يمكن تقسيمها إلى موسيقى صحراوية مثل الشلات والرزفة والحربية والونة والتغرودة، وموسيقى بحرية مثل النهمة والخطيفة والحدوة، إلى جانب موسيقى مناطق الحضر مثل العيالة والمالد. أما الفنون الشعبية الوافدة على الإمارات فمنها «السومة» الذي يعود إلى أصول أفريقية، و»النوبان» أو الطنبورة وهو قادم أيضاً من أفريقيا، و»الهبان» الوافد من منطقة فارس.
«في بوظبي شفت الظبي»
إلى جانب الغناء الشعبي، هناك الغناء الحديث الذي يتسم بالاحترافية ويصاحبه آلات موسيقية طربية، وهذا النوع من الغناء شهد تطورات متتالية، ويعتبر معظم الباحثين في هذا المجال ومنهم الباحث خالد البدور والباحث علي العبدان، أن البداية الحقيقية للغناء الحديث في الإمارات ارتبطت بفترة الأربعينيات، متوقفين أمام مجموعة من الرواد في هذا المجال، منهم الفنان محمد عبدالسلام الذي يعد أول مطرب إماراتي يذيع صيته، وهو من مواليد منتصف العقد الثاني من القرن الماضي، واحترف الغناء مبكراً، ومازالت تسجيلاته محفوظة عن أسطواناتها الأصلية التي أنتجتها شركة «دبي فون» وهي من أوائل شركات التسجيل الفنّي في المنطقة. وهناك أيضاً الفنان محمد بن سهيل (1931- 1931)، وهو من مواليد دبي ويعد من رواد الغناء في الإمارات، ولكنه تنقل منذ طفولته بين البحرين والسعودية قبل أن يعود إلى الإمارات، ليستقر فيها عام 1968، ومن أشهر أغانيه «في بوظبي شفت الظبي».
بينما يذكر الفنان عيد الفرج الحائز جائزة الإمارات التقديرية لدورتها الخامسة للعام 2010 في مجال فنون الأداء (فرع الموسيقى)، أن الفنان حارب حسن كان أول فنان لحن وغنى لنفسه، كما اعتبره أول من أبرز الهوية الإماراتية في الأغنية الخليجية في تلك المرحلة، ومن أشهر أغنيات حارب حسن أغنية «يا حبيب القلب عذّبت الحشا»، وساهمت الأسفار المتعددة لحسن إلى دول مختلفة مثل البحرين والسعودية والكويت والهند في إثراء تجربته الفنية وتعرفه إلى ملحنين ومطربين وموسيقيين فاعلين في ذلك الوقت. ولم تخل ساحة الغناء من الحضور النسائي، فكانت الفنانة موزة سعيد، أول مطربة إماراتية ومن أولى الفنانات الخليجيات ولكنها استخدمت اسم مستعار هو رجاء عبده.
وأضافت: وشهدت فترة الستينيات والسبعينيات ظهور الفنان علي بن روغة أو بالروغة الذي ولد في الجزيرة الحمراء في رأس الخيمة، تميز بعزفه على العود فكان من أشهر فناني الإمارات في ذلك. كما برز في تلك الفترة الفنان جابر جاسم الذي يعتبره المهتمون بالتأريخ لمسيرة الغناء في الإمارات من أبرز الفنانين المجددين في الغناء، حيث اتسمت أغنياته بطابع خاص وساعده على ذلك دراسته الأكاديمية في القاهرة، كما عرف بحرصه على انتقاء كلمات الأغاني التي كان يقدمها، وتطويع أصعب القصائد لتقديمها في أغاني سهلة. وقدم جاسم ما يقرب من 200 أغنية تنوعت بين مختلف الألوان الغنائية بما فيها الأغاني الدينية والابتهالات الرمضانية، الأغاني الوطنية والمناسبات، الأغاني العاطفية، أغاني الصوت، كما شارك في العديد من المهرجانات العربية.
فن التقصيرة واليامال والنهمة والتجديف
وتضم قائمة الفنانين الذين وضعوا بصمات خاصة على مسيرة الغناء الحديث في الإمارات الملحن إبراهيم جمعة الذي نشأ على أغاني البحر بألحانها وأصواتها العذبة، وتعلق بفن التقصيرة واليامال والنهمة وفنون التجديف، ثم عمل على تطوير ألحانه وبالفعل قدم ألحاناً لما يقرب من 45 فنانا وفنانة من مختلف الدول العربية، وشكل مع الفنان عبدالله بالخير ثنائي فني مميز في فترة الستينيات. وكذلك الملحن عيد الفرج الذي ركز في أعماله الغنائية والموسيقية على الألحان الشعبية المعبرة عن أصالة الفن الخليجي، واهتم بالمناسبات الوطنية العامة، إلى جانب وضعه لألحان العديد من الأوبريتات والأناشيد والأغاني الوطنية.
ميحد حمد فنان الشخصيات البارزة
وتتابع: كما ويعتبر الفنان ميحد حمد أحد رواد الغناء في الإمارات حيث غنى لأشهر شعراء الإمارات والخليج العربي كما غنى قصائد عدة لشخصيات بارزة في الإمارات في مقدمتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي، ومن أشهر أغنياته «الله يا دار زايد». والآن تشهد الساحة الغنائية في الإمارات ظهور أصوات مثقفة استطاعت أن تصل بالأغنية الإماراتية إلى آفاق بعيدة من أبرزها الفنان حسين الجسمي الذي يحرص على تقديم مختلف أنواع الموسيقى والألحان، وعيضة المنهالي الذي ارتبط باللون الشعبي في الفناء، والفنان والملحن فايز السعيد، وعازف العود فيصل الساري، وسعيد السالم وطارق المنهالي، أيضاً الفنانات أحلام الشامسي وفاطمة زهرة العين ورويدا المحروقي وأريام وغيرهم كثير.
المشهد النقدي في الإمارات الجذور والتطورات
وحول الحركة النقدية في الإمارات التي تطرقنا في الجزء الثاني لبعض حضورها في المشهد الإماراتي, تضيف الناقدة والروائية الدكتورة «زينب عيسى الياسي» جامعة الإمارات, أن الشفاهية وتناقل الفن قولياً من لسان إلى لسان كانت سمة من سمات الشعوب عامة وشعب الإمارات خاصة، وكان لهذا الأمر أسبابه ومسوّغاته التي تدعو إليه، ولانتشار التعليم الأثر الأبرز في ظهور الفنون الأدبية على اختلافها في الساحة الثقافية الإماراتية وانتقالها من المشافهة إلى المكتوب والمقروء، وقالت: كان النصيب الأوفر للشعر لما له من مكانة في نفس الإنسان الإماراتي (البدوي والساحلي)، حيث البدوي في تنقله وترحاله بين القفار حادياً بإبله ونوقه، بينما الساحلي الحضري وحاجته إلى الشعر في أسفاره الطويلة في جوف البحار مخلّفاً أهله وعشيرته، فينشد الأشعار مواسياً النفس وممنياً النفس باللقاء والصيد الوفير والعود الموفق، بينما الأهل ومن على الشاطئ بالانتظار، ينشدون الأشعار والأهازيج شوقاً وخوفاً، أملاً ورجاءً بالعود السالم.
لقد عاش الإماراتي الأول، ساحلي وبدوي معبّراً عن كافة تقلباته الحياتية شعراً منظوماً، بينما الاستقرار والعودة من الأسفار أنتج فناً قولياً آخر، وهو السرد بأنواعه كالقصص القصيرة والحكايات والخرافات، كل هذه الأنواع جعلت من مادة التدوين غزيرة، وحاجة ملحّة لحفظ إرث كادت المدنية أن تدثره برياحها لولا تنبه الأفراد والمؤسسات الثقافية لضرورة حفظ هذه الشفاهيات من الضياع، وإن تأخر هذا الحفظ عقوداً عن تاريخ تأسيس الدولة الحديثة إلا أنه يشكل نقلة مهمة في تاريخ حماية موروث ثقافي موغل في القدم.
وأوضحت أنه إذا ما قررنا سلفاً أن الشعر موغل القدم من حيث النشأة سنصل إلى محصلة معرفة الرائد في هذا المجال أمراً خارجاً عن سياقه الواقعي الذي يؤسس للنشأة بتأسيس الدولة, لكن التأصيل يمكنه أن يحدد لفن عُد حديثاً ومنه القصة القصيرة والرواية، فالقصة القصيرة قد ظهرت في الإمارات على يد شيخة الناخي بنشرها مجموعتها القصصية القصيرة «الرحيل» في عام 1970م، ومن ثم ظهرت رواية «شاهندة» لراشد النعيمي عام 1971م، وتلاهما الإبداع المستمر. وبظهور الفن الأدبي بنوعيه الشعر والنثر مكتوباً ومقروءاً، صارت الحاجة ملحّة إلى ضبط علمي يقوم من الخلل، ويسهم في رفع مستوى الأداء الأدبي، فبعد أن كان الشعر يقدّم بسجية وعفوية قائلها غدت مؤسسات الإعلام (تلفاز ـ صحف ـ مجلات ـ كتب) تبحث عن جودة في اللغة، وقوة ومتانة في الأساليب، من هنا أصبح لزاماً على الشاعر والأديب أن يقتفي آثار من برزوا في هذا المجال من شعراء وأدباء عرب، أسهم في هذا الأمر الاتصال العلمي والثقافي بين أبناء الإمارات والخليج وبين الأقطار العربية كـ (مصر ـ الأردن ـ سوريا)، وبالتالي ظهر إلى النور إبداع أدبي بحاجة إلى تحليل وتنظير وتقويم، وبحاجة إلى جهات ومؤسسات تتبنى نشره، فكانت النافذة الأولى الصحف، من خلال دور نشر، مثل: دار الخليج ودار البيان الذي أخذوا على عاتقهم عرض نتاج الأدباء فظهر إلى النور أسماء كـ : محمد المر، إبراهيم مبارك، أمينة بو شهاب، شيخة الناخي .. وغيرهم العديد. ومن الشعراء ظهر «حبيب الصايغ، وظبية خميس، وأحمد راشد..
اتحاد الكتاب في الإمارات
أضافت الياسي: أن هذا الكم من الأسماء، وتراكم الإبداع، ورغبة في جمع شتات الإبداع من خلال مؤسسة رسمية بهدف الارتقاء بالأدب والثقافة والاتصال بالكتاب العرب فيما يخص الهموم والتطلعات الوطنية والقومية، وبظهور اتحاد الكتّاب والأدباء في العام 1984م، الذي أسهم في ظهور الأدب بصورة كبيرة، ولفت المؤسسات الثقافية الأخرى إلى ضرورة مساءلة النصوص بأنواعها ومواكبتها، فأقيمت العديد من الملتقيات والندوات من خلال دائرة الثقافة والإعلام واتحاد كتاب وأدباء الإمارات ومن ثم قدّمت العديد من الدراسات الأكاديمية العلمية الرصينة، ولكننا بتتبع موضوعي نجد أن الجانب النقدي لم يأتِ مواكباً في الآن والزمان ذاته مع الإبداع الأدبي، بل كان حضوره متأخراً من عقد إلى عقدين من الزمن، وإن عدّ بعض النقاد هذا الأمر إيجابياً من حيث نضوج التجربة الإبداعية.
وأكدت: أن المشهد النقدي في العقدين الأخيرين يختلف عن العقود السابقة لهما، فالمشهد النقدي من خلال المؤسسات الثقافية (دائرة الثقافة والإعلام, دار الخليج, مؤسسة دبي للإعلام, جريدة البيان, وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع, هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) أفرز نقداً متقدماً بمراحل ومواكباً للواقع النقدي العربي، ونهض بالإبداع بعد أن كان طي النسيان والركود لدى الكاتب والقارئ الإماراتي.
ومن زاوية أخرى كان إصدار اتحاد كتاب وأدباء الإمارات لمجلة شؤون أدبية1987م ومجلة دراسات، وبيت السرد وكذلك إصدار دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة لمجلة الرافد الإماراتية عام 1993م، وغيرها من المجلات والدوريات أثر وذلك بتقديم الدراسات النقدية العلمية المحكّمة من حيث تسليط الضوء على مجمل النصوص العربية بشكل عام والنصوص الإماراتية بشكل خاص.
المسرح الإماراتي نشأته وأشهر رواده
المسرح فنٌ من الفنون الأدبيّـة ووعاءٌ ثقافي، استطاع أن يحمل هموم الإنسان وقضاياه وتجاربه الذاتية منذ فجر التاريخ؛ فهو مرآةٌ صافيةٌ للواقع الإنساني؛ ظلّ عبر العصور المختلفة لصيقاً بالإنسان، ومتنفساً يحقق فيه ذاته. وأوضحت الدكتورة «ميثاء ماجد الشامسي», أن المسرح الإماراتي كغيره من المسارح العربية التي أدركت أهمية المسرح وقدرته الفاعلة على تصوير الواقع، ومعالجة قضاياه، حديث النشأة، ولكن تاريخه القصير حافل بالإنجازات والتجارب الناجحة التي لا يمكن لأي دارس أن ينكر فضلها وفضل روّادها. وبينت أن تاريخ المسرح الإماراتي وتطوره في مرحلة البدايات «الجذور», ارتبط ظهوره بالرقصات الشعبية (العيالة والليوه) التي تمارسها فرق الفنون الشعبية، فالتمثيل الاحتفالي كان له دور في تأصيل المسرح الإماراتي. كما أنه عندما ظهرت المدارس النّظامية أسهم أعضاء بعثة المعلمين العرب القادمين من (مصر، فلسطين..) والفضل يعود لهم في غرس البذرة الأولى للمسرح الإماراتي، إذ أسهموا في تدريب الطلبة على التمثيل، واكتشاف مواهبهم.
وتتابع: وفي عام 1957م قدّم طلاب مدرسة القاسمية (أول مدرسة نظاميـّة في الدولة) مسرحية «المروءة المقنعة» من تأليف الشاعر محمود غنيم، وقد قام الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بدور «جابر عثرات الكرام». إلى جانب الراحِليْن تريم عمران ومحمد حمد الشامسي- رحمهما الله-. كما قدّم الطلبة بعد ذلك مسرحية أخرى (نهاية صهيون) عبّرت عن رفضهم وانتقادهم للاستعمار الإنجليزي، وهي التي أثارت حنق الإنجليز وغضبهم (المعتمد البريطاني)، فطالبوا بوقف المسرحية؛ لما لها من خطورة في الطرح السياسي ولكونها تمثل دوراً تحريضياً ضد الاستعمار الإنجليزي على المنطقة.
وقد امتدت هذه المرحلة الجنينية حتى ظهور الفنان العراقي «واثق السامرائي» الذي كان له أثر كبير وفضل عميم على الحركة المسرحية في الإمارات. ويعد نصه (من أجل ولدي) أول نص مسرحي مكتوب في تاريخ الحركة المسرحية في الإمارات. أما «مرحلة التأسيس», فبدأت بعد تأهيل أبناء المنطقة وتدريبهم على ممارسة مُختَلفِ النشاطات الكشفية والثقافية والرياضية، كانت الطريق ممهدة ومفتوحة؛ لظهور الفرق المسرحية التي لاقت تشجيعاً من وزارة الثقافة والإعلام، وقد قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بإشهارها باعتباها جمعيات للنفع العام. وحالياً توجد في الإمارات (18) فرقة مسرحية في الدولة. ثم دخل المسرح «مرحلة التطور». بعد أن مرت التجربة المسرحية في الإمارات بمراحل وتجارب متعددة، أخفقت تارة ونجحت تارة أخرى حتى بلغت مرحلة التطور والنضج التي نتلمّسها اليوم؛ فبعد تأسيس الفرق المسرحية وقيام المهرجانات كان لا بد من توفير الإمكانيات المادية والفنية وتأهيل الكوادر البشرية؛ لتدريب المسرحيين وإثراء الحركة المسرحية في دولة الإمارات والاطلاع على تجارب دول الخليج والوطن العربي في هذا المجال بحكم الأسبقية في هذا المجال.
وبينت «الشامسي» أن من أبرز مظاهر التطور في المسرح الإماراتي: بناء القاعات المسرحية وتجهيزها بالأدوات الفنية كافة للعروض (الإضاءة والصوت والديكور...)، كذلك الاستعانة بالخبرات العربية في مجال المسرح والإفادة مما تمتلك من إبداعات وأفكار رائدة؛ لتأسيس مسرح هادف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والإسهام في تنظيم دورات تدريبية للممثلين والفنيين العاملين في مسارح الدولة؛ لصقل مواهبهم وتوظيف ما استفادوا منه في أعمالهم وعروضهم المسرحية، وكان من أبرز تلك الكوادر الفنان الكبير «زكي طليمات» والفنان المصري «سعد أردش»، والفنان الكويتي «صقر الرشود والمنصف السويسي وآخرون»، ولهم يعود الفضل في دفع عجلة المسرح الإماراتي قدماً.
وزادت: حاليًا المسرح الإماراتي في «مرحلة التطلع» بعد أن استطاع المسرح في الإمارات إثبات وجوده على الساحة الفنية والأدبية؛ وذلك بفضل إيمان رواده بقدرته ـ المسرح ـ الهائلة على التأثير والتغيير في المجتمع واستشراف المستقبل من خلاله. ومن أشهر المسرحيين الإماراتيين في هذه المرحلة والذين يشار إليهم بالبنان بالنضج المسرحي الكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله الذي استطاع المزاوجة والمراوحة بين التراث والقضايا الفلسفية؛ وذلك بهدف تأسيس حوار نقدي جدلي عبر تعميق ثنائية الأصالة والمعاصرة والأنا والآخر في محاولة لتأصيل المسرح العربي“. ومن أشهر مسرحياته صهيل الطين وليلة مقتل العنكبوت وغصيت بك يا ماي ....وغيرها. ومن الكتاب الإماراتيين الكاتب مرعي الحليان ومحمد سعيد الضنحاني والمرحوم الكاتب سالم الحتاوي وآخرون حيث يمثل كل واحد من هؤلاء ثيمة وأيقونة بارزة لها دور في تأصيل المسرح الإماراتي. ختامًا يمكننا القول: إنّ المسرح في الإمارات قطع شوطاً كبيراً حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم، فبعد أن كان يطرق باب المسرح على خجل واستحياء استطاع الدخول إليه بقوة مثبتاً أنه متمكّن من طرح قضاياه وقادر على معالجتها بطريقة فنية، ومؤمن بأن المسرح من أنجع وسائل التعبير عن ذلك.