د. إبراهيم بن محمد الشتوي
ولأن هذه الكتب كثيرة، ومتشابهة أيضاً، فإنني سأكتفي بواحد منها، اتخذه أنموذجاً لدراستها والوقوف عند بعض ما فيها من سمات، فمن المبادئ التي تقوم عليها هذه الكتب المعنية بتطوير الذات، هو إعطاء قيمة للذات أو الفرد، وتسويغ الاهتمام به، أو دفعه للاهتمام بذاته دون الشعور بالحرج وذلك كما يظهر في عنوان الحقل الذي تنسب إليه.
وليس بخاف أن هذه الأحاديث عنها (الذات) صورة من صور النزعة الذاتية (الفردانية) في الفكر الأوربي الحديث، وهي التي تقوم على أن الفرد هو المحرك الأول في عملية التحرّر، وهي الحركة التي ابتدأت منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر متزامنة مع الحركة الرومانسية، حيث «الذات» مركز الاهتمام، والتعبير عنها، وعن نزعاتها هو ما يسيطر على الشعراء والكتاب.
وهذا الوقت نفسه هو الوقت الذي ظهرت فيه الطبقة البرجوازية، وحققت مكاسبها الكبرى، وبدأت تتصدر المشهد الفكري والثقافي، وتقدم النظريات التي تحافظ من خلالها على مكتسباتها، وتقنع الآخرين بالتعامل الذي ترغب به منهم.
ويأتي الاهتمام بالذات على عدد من المستويات، وبعدد من الصور، فالمستوى الأول هو مستوى «الأنا» الشخص المتحدث، من خلال إصدار عدد من النصائح، والتوجيهات، لإقناعه بأن تقدير الذات ليس من الغرور المذموم بشيء، وأن حب الذات أمر طبيعي، فـ«الكائنات الإنسانية» (التعبير لصاحب الكتاب) مفطورة على حب الذات، ولديها أيضاً «جوع للإعجاب بالذات»، وحين يكون الإنسان معتزاً بذاته فإنه يكون شخصية منبسطة كريمة، قادراً على التعامل والاتصال بنجاح، وأما حين يكون شعوره عن ذاته متدنياً، فإن العكس هو الصحيح، حيث تنجر إليه المتاعب، ويصبح كل تصرف أو فعل من الآخرين تهديداً له مما يزيد متاعبه، وبؤسه، إضافة إلى أن الإنسان حين يقدِّر ذاته ويهتم بها فإن الآخرين سيستجيبون لهذا التقدير، وسيقدرونه بناءً على تقديره لذاته، فتقديره لذاته لا ينعكس عليه وحده، وإنما أيضاً على موقف الآخرين منه، فالآخرون - على حد تعبيرهم- بمثابة المرآة التي تعكس سلوكه.
وبناءً على هذه الأهمية لتقدير الذات كما يراها «المطورون»، فإن الآخرين أيضاً بحاجة إلى هذا التقدير، وهو المفتاح لشخصياتهم، والدخول إلى عوالمهم (وهذا هو المستوى الثاني للاهتمام بالذات)، فإذا أحس بذاته، وقدم له التقدير فيستحول -كما يقولون- من أسد هائج، إلى حمل وديع، وذلك انطلاقاً من مبدأ أن «الناس يتصرفون لكي يقوموا بتحسين ذواتهم»، فإذا أشعر بحس ذاته من خلال تقديره، وإيلائه الاهتمام وأشبع هذا الشعور لديه فسيتصرف بالصورة التي يراد منه.
وهنا يصبح منح الآخرين للاهتمام، والتقدير مطلباً لعدة أمور: أولاً أنهم سيبادلوننا الشعور باعتبارهم -بناءً على المبدأ السابق - مرايا لنا، وهذا سيعود علينا بالنفع. الأمر الآخر، وهذا مهم «للذات» أنهم يستجيبون لما نريد منهم، وسيكون هذا أسهل في التأثير عليهم، الأمر الثالث وهو المهم هنا أننا نضمن أن يهتم بنا الآخرون ويقدروننا في الحالة التي نكون نحن «الآخرون»، فالعلاقة بين «الأنا» و»الآخر» معقدة، وجدلية، فهي على الرغم من أنهما موقعان مستقلان لكن على المستوى الشخصي يمكن أن يكون الإنسان «أنا» مرة و«آخر» أخرى.
وتتجلّى صور الاهتمام بالذات وتقديرها عن طريق الثقة التي ينبغي للفرد أن يظهر بها أمام الآخرين، وهو يتحدث أو يجادل، أو يمشي، أو يقوم بالأعمال، والتي تبدو بأصغر الأحداث والأفعال من مثل أن يقبل الرجل طفله إذا أراد أن يحثه على النوم، ويقول: «حسناً..حان وقت النوم»، عوضاً عن أن يقول: «لقد تأخر الوقت، وتريد ماما أن تذهب وتستعد للنوم»، فهذه الطريقة الحاسمة في وضع «الطفل» أمام الأمر الواقع، ونبرة الصوت الحاسمة، هي التي تعكس الثقة في النفس، وتحمل الآخرين على الاستجابة، ومثلها أيضا الصورة الظاهرية «للذات»، حيث المشية، والهيئة وطريقة الحديث.
كما يتجلّى عن طريق كيل المديح للآخرين، وإشباع شعورهم بالأهمية، ودفعهم لمحبة أنفسهم، ومنحهم الثقة في القيام بالأعمال بوصفها هي الطريقة المثلى للقيام بها بشكل جيد، من خلال منحهم الصفة التي ينبغي أن تكون فيهم، ورفع مستوى التوقعات فيهم التي لن يخيبوها، مستشهداً - صاحب الكتاب- بقول تشرشل: «إن أفضل طريقة لإكساب أحدهم الفضائل هي أن تنسب هذه الفضيلة وتعزوها له»، فاللصوص المجرمون -كما في المثال المذكور- يعترفون بأعمالهم المشينة بمجرد القول لهم إنكم «بلطجية أشقياء» ولكنكم لا تكذبون، وعندها سيحكون كل أفعالهم، وعمال المصنع يقال لهم: إنكم أناس محترمون، وتريدون أن تكسبوا مالاً حلالاً لتطعموا أولادكم، ثم يتركون بلا مراقب لأننا قد منحناهم الثقة للتعبير عن ذواتهم الجيدة.
الصورة الثالثة للاهتمام بالذات منحها القوة التي تظهر بها أمام الناس، من خلال إظهار الحماسة في الحديث عمّا تملك، والقدرة على السيطرة على الآخرين، والتحكم في سلوكهم وردات أفعالهم، باعتبارهم انعكاساً للذات، كما في الأمثلة السابقة وكما في شواهد عن بعض أعمال مسؤولي المبيعات في بعض الشركات.