د. صالح بن سعد اللحيدان
للأسف كلمة عالية القيمة إذا جاءت بعد خطأ أو زلل ما أضر بأحد. ومن لم يأسف على خطأ فعله أو قاله فهذه صفة قاسية، تلحق صاحبها أبداً.
فما هو الأسف؟ وما هي أنواعه؟
1/ أسف: كما ترى حروفها ثلاثية. أسف: ندم, ويأسف: يندم.
2/ أسف: تراجع ورجع.
3/ أسف: من الأسف (شدة الندم).
4/ أسف: خاب ظنه, وهذا من معانيها.
5/ أسف: أصابه القهر على شيء قد فاته.
6/ أسف: تحسر من الحسرة.
7/ أسف: قلق على شيء ما أو بسببه.
8/ أسف: مقدمة معنوية للاعتذار.
9/ أسف: هذا فعلٌ ماضٍ يُراد على شيء سلف وهذا بخلاف (آسف) بالألف الممدودة فهذا اعتذار مُباشر لأمرٍ ما حصل.
10/ الأسف: مصدر وهو: الندم، وليس هو خالص الندم بل خالصة الحسرة, قال تعالى {... إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ...}؛ ذلك أن الحسرة هي شدة العذاب المعنوي الذي يفوق الأمراض المعنوية كافة. وقد وقف الطب النفسي التحليلي السريري شبه عاجز عن العلاج مع معرفة الأسباب خلال التحليل وتشريح المشكلة؛ ولهذا يتوقف كثير من العقلاء عند الخصومات واقتراب انتهاك المحارم عند حد لا يؤدي إلى الحسرة فيما بعد، بل هم يبتعدون جداً عن مجرد الاقتراب مما يؤدي إلى الأسف. وغالب من تصيبه الحسرة هو ذلك الذي لم يستطع أن يرد حق مَن أساء إليه في عرضه حينما لا يستطيع الإفصاح عما عمله من قبل. وهنا لا مجال للتوبة إلا بطلب الصفح ورد الاعتبار، لكن هناك ما لا يمكن أن يذكره أو يورده من أُصيب بالحسرة لخطورة ذلك عليه؛ فيقدم حظ الدنيا، ويتعلل، والحسرة تسري في عروقه ودمه وفمه.
والأسف مُقدمة للندم، والندم مُقدمة للحسرة ما لم يتدارك الإنسان وضعه بقوة وعزيمة مدروسة، فيها من القوة بقدر ما فيها من الدهاء الحكيم الجازم. وقد فعلتها (الغامدية, وماعز) - رضي الله تعالى عنها - وقس على هذا.
والأسف على ما سلف القول عنه أنواع، منها:
1/ الأسف: مما يمكن الأسف منه قبل الخطأ.
2/ الأسف: مما لا يمكن الأسف منه بعد حصول الخطأ.
3/ الأسف: من الغير على من وقع منه الخطأ.
4/ الأسف: من عدم إكمال ما يلزم نحو تصحيح الخطأ.
5/ الأسف: على صحبة من لا تحب صحبته.
6/ الأسف: على وقت ضاع هدراً.
7/ الأسف: وهذا من النوع الشديد, الندم على استغلال الضعيف والمضطر والأطغى لحظ ذات النفس.
8/ الأسف: على الولد ذكراً أو أنثى أنهما أو أنهم لم يبروا ولم يصلوا الرحم، وهذا يُسمى (الأسف عليهم).
9/ الأسف: الأسف على ضياع أو فقدان شيء ما من مال أو غرض أو حاجة، وهذا بمعنى الحزن كما في قصة يعقوب - صلى الله عليه وسلم - حينما فَقَد يوسف - صلى الله عليه وسلم- صغيراً.
10/ الأسف: على خطأ جرى ودام مع صاحبه بذلك.
11/ الأسف: على فوات الفرصة الجيدة.
12/ الأسف: على إثم كان ليته لم يكن.
ولهذا أقول: الندم في بعض صوره أشد ألماً من الأسف, والحسرة في صورها كافة أشد من هذا وذاك. قلت: (والسعيد من وعظ بغيره)، والسعيد كذلك من لم يكن عبرة لغيره.
قلت أيضًا:
1/ مات من لم يأسف على الخطأ.
2/ هلك المصر على ترك الأسف.
3/ ما تأسف إلا حر كريم.
4/ الحر يتأسف على الخطأ، والأحمق يتعلل.
5/ ترك الأسف يجر إلى التلذذ بالزلل.
6/ يخطئ من يظن النرجسي يأسف.
7/ الأسف من علامات نضوج العقل.
ومما أورده تماماً (أسفت عليك: حزنت)، وأيضًا (يأسفون من العمل) يملون، وهذا قليل. ومثل هذا: (أسفت المرأة) ندمت مع الحزن. ولست أشك أنَّ الأسف الذي هو الاعتذار من أرقى درجات الأخلاق عند سائر الأمم، وهو دال على نبل وجودة وصفاء ذهن.