د. محمد عبدالله العوين
بعد لقائي السريع بعبد العزيز التويجري صاحب «دار اللواء» وإعجابي بما اطلعت عليه من كتب مكتبته وارتياحي لشخصيته اللطيفة وعدت نفسي بزيارة هادئة وغير عجلى أنتقي ما أختاره لنفسي من روائع داره.
كانت «دار اللواء» تقع في شارع الوزير على يمين المتجه شمالاً أمام «دار الكتب الوطنية» لوحتها بارزة ومضاءة جيداً ومدخلها أنيق، ومساحتها ليست واسعة؛ بل إن ذا الجسد الممتلئ لا يكاد يتسع له السلم الحديدي الضيّق الذي ينزل إلى الأسفل في دور إضافي، وكنت حينها رشيقاً خفيفاً لا يزيد وزني على 60 كيلو فأتقافز بين السلالم وأصعد في خفة للأدراج العليا على السلالم المتنقّلة، كانت مشكلتي الوحيدة أن المحفظة لا تحتمل تلبية كل رغباتي.
بهرني تنوّع وجدة وحداثة المعروض من الكتب؛ فلأول مرة أقتني العدد الأكبر من روايات نجيب محفوظ بطبعاتها القديمة: خان الخليلي، السكرية، بين القصرين، قصر الشوق، ثرثرة فوق النيل، الكرنك، زقاق المدق، ميرا مار، أولاد حارتنا، الطريق، القاهرة الجديدة، اللص والكلاب، السمان والخريف، وغيرها. ولأول مرة أجد روايات محمد عبد الحليم عبد الله كلها؛ فاقتنيت: سكون العاصفة، الوشاح الأبيض، شجرة اللبلاب، الماضي لا يعود، وغيرها، ووجدت معظم كتب طه حسين التي قرأت كثيراً منها في مكتبة المعهد العلمي، ومع ذلك حرصت على شرائها؛ مثل رواياته: شجرة البؤس، الحب الضائع، دعاء الكروان، المعذبون في الأرض، وكان أنفس ما اقتنيت من مؤلفات طه سيرته الروائية «الأيام» بأجزائها الثلاثة.
ووجدت أمامي الطيب صالح ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس وغسان كنفاني وغادة السمان، ووجدت كتب الفكر الإسلامي الحديث التي كانت رائجة آنذاك وجلها تمثِّل نهج جماعة الإخوان المسلمين التي كنا لم نستوعب - آنذاك - مضامين ما تدعو إليه من مفهومات التغيير والفوضى والتكفير وما كانت تروِّج له من أحكام حدية قاطعة كانت البذور الأولى لظاهرة التطرف في المجتمعات العربية؛ فكانت كتب مفكريهم تسوَّق في مكتباتنا إحساناً لظن الطيبين فيهم أو استغلالاً منهم لمراكز التأثير في التعليم والإعلام والشؤون الدينية لترويج فكرهم ونشره والدعاية له، ولذلك كانت جل المكتبات - ليست دار اللواء فحسب - تمتلئ أرففها بكتب سيد قطب وأخيه محمد وأبي الأعلى المودودي ويوسف القرضاوي وفتحي يكن وكامل الشريف وغيرهم، ونجد أيضاً النتاج الأدبي المنفتح المعتدل بجانب النتاج الفكري الحركي للجماعة متساوقين متوازيين في المكتبة الواحدة.
وإن كنت وجدت كثيراً مما أطمح له في «دار اللواء» إلا أنه لا يمكن أن يفوز بلقب المكتبة الطليعية التي تهتم بالأدب والفكر الحديث سوى مكتبة «العلوم» لصاحبها المرحوم عبد الله العوهلي التي كانت تقع في شارع الستين بالملز بالقرب من مطعم العجمي الآن؛ ولعلها كانت المصدر الأول لتكوين الجيل الأدبي الجديد في الرياض.