د. خيرية السقاف
العراق..
لفظٌ كلما نُطِق، أو قُرئ، أو نزل بسمع حرك الشجن، أثار الشجو، بعث اخضرار الذاكرة، وخفق الأفئدة..
ربما لأنه ارتبط بزاخر الإرث منذ اللدانة، وفاتحة التكوين..
ربما لأنه الأنصع، والأكثر، والأبعد صدى..
العراق بغداد، الكوفة، البصرة، سر من رأى،
العراق الشعراء، القضاة، النحاة، النقاد، المغنون، الرواة، الأدباء، البلغاء، المؤدبون..
العراق الخلفاء، العلماء، الأئمة، المحدثون، المدونون، المؤرخون..
العراق الإرث، والامتداد، الجواهري، الملائكة، السياب، الطاهر، عمارة، و.. و..
العراق الحكمة، الدواوين، السلم، البناء، الحرب، والفناء..
العراق شهقة الحضارة الإسلامية، ما قبلها وما بعدها..
كم، كيف أنين العراق من الصراعات، والأطماع، ولصوصية المنتهزين، وأحلام المستعمرين..
كم شهد نهراها، ونخيلها، عمارها، ودمارها، نسيجها في قِوامه، وفي تمزقه..
يدوِّنان في كل ذرة ماء بقيَـت، أو تبخرت ما تحتفظ به المزون البعيدة بحبر الحقائق، وأصوات الفاعلين، من بتول مائهما العذب، فاسودادهما المر، فاحمرارهما النتن، لاستلابهما المُضمَر، وهما يمضيان في عين الشمس بأمل، وفي جوف الليل بدعاء نحوا عميقا لا يجفان، ولا يخذلان العراق..
هذا العراق يفترش اليوم السمع، والنظر، بعد أن خرج من عنق التهلكة، يقاوم مطامع الحقدة، العارفين قدره، الطامعين في موقعه، المستهدفين مكانته في لحمة الأمة العربية المسلمة، وأثره في تاريخها الشامل الثري..
هذا العراق يعود لموئله اليوم، للحمته وسنده، لأعضاده وخيمته..
اليوم، وفد سعودي عالي الهمة والأمل، رسول القمة للعمل يفتتح قنصلية «السعودية العظمى» في بغداد، ليعود رنين المدينة في آذاننا شجيًّا، جميلاً، محرضًا لشغف الذكريات في قصيدة نابغة، ومحاضرة قيمة، وبلاغة مثرية، وسيرة إرث فكري، وتأريخي لا تغفله ذاكرة، ولا تجهله خفقة خاطر..
خفقت راية «لا إله إلا الله» بظل نخلتها، وعضد سيفها في بغداد، إيذانًا لافتتاح قنصليات ثلاث أخر في مدن عراقية أخرى، وبدء دقِّ أول وتدٍ لأبنية العمار فيه..
من جديد سيعود العراق لسيرة أيامه التي مضت عزيزًا بأهله، قويًّا بعضده، يتعافى من تمزقه، ومرضه..
ليعود النهران يغنيان، والموال يصدح، والناي يشجو، والكتاب يثمر، والنخيل يظلل، والطرق تعتمر، والمحطات تؤوب إليها القطارات، وتنطلق منها المخيلات، والناس تطلق آهة طويلة بعد عناء طويل..
مرحبًا «يا العراق»، حياك الله..