محمد سليمان العنقري
تطوير الأنظمة والتشريعات التي تحقق أعلى درجات الشفافية والعدالة بالسوق المالية من المؤكد أنه ركيزة أساسية لجذب المستثمرين، إضافة إلى تطوير التقنيات، لكن يبقى عامل العنصر البشري له أهمية كبيرة ببناء المنتجات الاستثمارية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الثقة بالسوق والمؤسسات المالية؛ فالمنتجات الاستثمارية تعتمد في نجاحها على عوامل عديدة، من أهمها مستوى تأهيل وخبرة رأس المال البشري الذي يبنيها ويسوقها.
ما يدعو للحديث عن ركيزة العنصر البشري هو العودة بالذاكرة لمرحلة ما قبل تصحيح سوق الأسهم 2006م بفترة قصيرة، وعندما كان المؤشر قريبًا من قمته، والفقاعة واضحة من خلال ارتفاع مكررات الأرباح لفوق 40 مرة، وارتفاع أسعار الفائدة لخمسة أضعاف العائد على السوق إلا أن مسوقي صناديق الاستثمار في وقتها لم يتوقفوا عن جذب المستثمرين وترويج أن السوق ما زال جاذبًا للاستثمار. وقد سمعنا عن قصص كثيرة ممن استثمروا بتلك الصناديق في حينها، كيف تبخر جزء كبير من رأس مالهم، وأفضلهم حالاً ما زال خاسرًا نحو 30 % من رأس ماله الذي استثمره رغم مرور 13 عامًا على تصحيح السوق، وكثير منهم خسر أكثر من 60 %، بحسب ما سمعته منهم، لكن العامل المهم فيما ذكروه أن التسويق كان من موظفين غير ملمين بأسس الاستثمار وإدراك مخاطره، فما كان يعنيهم هو تحقيق الرقم المستهدف بالخطة التسويقية والمطلوبة من كل موظف تسويق؛ فكثير من هؤلاء الموظفين غادر موقعه، وبقي من وضعوا أموالهم عن طريقهم عالقين باستثمارات، لا يعرفون كيف يستطيعون تعويض خسائرهم فيها التي تحققت بسبب التسويق الخاطئ الذي تعرضوا له، والترويج لأرباح خيالية انتهت بنكسات لا نهاية لها باستثماراتهم، ولا يوجد من ينصحهم بتلك المؤسسات المالية التي أغرتهم بالاستثمار في السوق في حينها دون الأخذ بمعايير تخدم الحفاظ على العملاء، ونصحهم بتوجهاتهم الاستثمارية.
لكن هذه العودة للماضي لا يمكن أن تحقق أي تغيير لواقع تلك الخسائر إنما المهم هو تغيير معايير التسويق المتبعة بالمؤسسات المالية لصناديق الأسهم تحديدًا، وذلك من خلال وضع شروط وقياسات خاصة لمؤهلات القائمين على التسويق، إضافة إلى تفعيل دور المستشار المالي الذي يشرح للعميل ما هو هذا الاستثمار، وما هي مخاطره، لا أن تكون فقط مكتوبة بالعقود بين الجهة والعميل؛ فهذا لا يكفي، ولا بد من التأكد أن العميل اطلع على المخاطر، وسمعها من موظف متخصص بالاستثمار والاستشارات، وإلا فإن التاريخ سيعيد نفسه، ونجد من يخسر بسبب التسويق المبني على قراءات منقوصة عن مخاطر الاستثمار، وما هي عوامل الجذب التي ستمنح الفرصة لتحقيق أرباح من هذا الاستثمار.
السوق المالية في المملكة باتت مفتوحة على العالم بشكل كامل، وانضمت إلى أهم المؤشرات العالمية. ويعد السوق بوابة مهمة لتمويل القطاعَيْن الخاص والعام، وكذلك توظيف مدخرات الأفراد؛ ولذلك لا بد من الارتقاء برأس المال البشري، ووضع شروط لشاغلي وظائف التسويق، وكذلك إلزام المؤسسات المالية بتوظيف خبراء استثمار، يقدمون الاستشارة للعميل، ويوضحون له تفاصيل الاستثمار الذي يسوقونه عليه، والمخاطر التي قد تواجهه حتى يكون هناك ارتفاع بجاذبية الاستثمار، وتعزيز الثقة بالسوق المالية.