د. أحمد الفراج
أمريكا هي أرض الأحلام والحالمين، تماماً كما أرادها الآباء المؤسسون قبل أكثر من قرنين من الزمان، وكما أرادها الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، الذي أشعلها حرباً ضروساً، مات فيها خلق كثير، وذلك لإيمانه بأن الرق سلوك غير أخلاقي، ولم يتوقف حتى تم تحرير السود من العبودية، وهنا نقطة غاية في الأهمية، ويجب التنبيه عليها، وهي أن لينكولن كان نتاج عصره، وبالتالي لم يكن مؤمناً بالمساواة بين الأعراق، بل كان يرى أن العرق الأبيض يأتي في مقدمة الأعراق البشرية، ولكنه مع ذلك كان ضد الرق، واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان، لأسباب أخلاقية بحتة، وهذه بالطبع تحسب له، وجعلته يُصنّف كواحد من أفضل ثلاثة رؤساء في التاريخ الأمريكي، مع جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، وشخصياً أراه الأفضل.
أرض الأحلام قامت على مفهوم الحرية، وبالتالي رأينا المهاجرين يقصدون أمريكا من كل صوب، ثم يحققون إنجازاتهم هناك، وهي الإنجازات التي لم تكن لتحدث، لو بقوا في بلادهم التي ولدوا فيها، ولعل قصة باراك أوباما خير مثال، فلم يكن يخطر في ذهن والده، عندما قدم من دولة إفريقية على منحة دراسية، وتزوج من مواطنة أمريكية، أن ابنه سيرأس القوة العظمى في العالم، وإذا كان أوباما قد وصل إلى أقصى ما يطمح له مواطن أمريكي، فإن هناك ملايين القادمين من أصقاع الأرض، ووجدوا فرصتهم الكاملة في العالم الجديد، إذ ليس هناك ولاءات إلا للعقل والإنجاز، ومنهم من وصل إلى مواقع مرموقة، ومنهم من فاز بجوائز عالمية، ولم ينس معظم هؤلاء فضل أمريكا عليهم، إذ لو لم تكن أمريكا لما كانوا، ولكن ليس كلهم كذلك، فهناك من تعامل مع مفهوم الحرية بشكل خاطئ.
الهان عمر شابة من الصومال، عاشت في ملجأ، وبفضل جهود العاملين الأمريكيين في الحقل الإنساني، تمكّنت من الهجرة إلى أمريكا، وتمت مساعدتها بكل شكل ممكن، ولمّ شتات أسرتها، ثم استخدمت قدراتها في أرض الأحلام حتى انتخبت عضواً في مجلس النواب الأمريكي، ومثلها السيدة العربية، رشيدة طليب، ولكن هاتان السيدتان، وبعد أن وصلتا إلى ما يطمح له من ولد أباً عن جد في أرض الأحلام، استخدمتا مفهوم «الحرية»، بشكل فج ومستفز، والحرية حق لكل مواطن أمريكي، وهو حق أصيل لا يمكن المساس به، نصّت عليه الفقرة الأولى من الدستور الأمريكي. هذا، ولكن هناك خيط رفيع بين الحرية والوقاحة، فالحرية هي أن تقول وتفعل ما تريد، دون المساس بحرية الآخرين، ودون أن يصل ذلك لمرحلة الإيذاء والاستفزاز والكذب والتضليل ونكران الجميل، وسنواصل الحديث.