د. خيرية السقاف
أورد الأستاذ الدكتور «إبراهيم الحميدان»، أستاذ التربية بجامعة الملك سعود، ومساعد مدير تعليم منطقة الرياض السابق في حسابه بموقع التواصل ثلاث «تغريدات» تلفت إلى موضوع على درجة من الأهمية عن معايير الاختيار لإسناد المسؤوليات الأوسع في دوائر العمل بين منسوبي الدائرة، وتحديداً التربوي جاءت كالتالي: «سألت عن زميلة لنا في الوزارة تدرجت في الميدان حتى «الوزارة» - أي إداراتها الرئيسة- واستغربت عدم تمكينها، وكانت الإجابة صادمة: إنها لا تحمل الدال، ولا تجيد اللغة الإنجليزية»، ثم أتم بقوله: ربطُ الإبداع باللغة - الإنجليزية- أو بحرف الدال هي فكرة «ساذجة» سوَّق لها أشخاص لا يملكون من مهارات الحياة سوى لغة «أخرى»، أو ورقة، وسنفقد بسببها عقولا رائعة، ثم واصل بقوله: «زميل آخر في الوزارة لم نستفد منه كما يجب وهو تحت يدها، وفي المقابل تتفق معه شركات (تعاقدت مع الوزارة) لتنفذ لها برامج بالملايين، فلماذا لا نستثمر ما لدينا من عقول، ونعطلهم بأسباب ليست في العمل، ثم واصل: في المقابل تنجذب الوزارة إلى كفاءات أقل لمجرد أنها تحمل «دالاً» أو -تعرف- بعض اللغة، وخير برهان (البرازيل والصين) وصلتا إلى مصاف الدول المتقدِّمة وثلاثة أرباع قياداتها يجهلون الإنجليزية، بل إن دولتيهما لا تعير اللغة -الأجنبية- أهمية، باختصار يجب ألا نفقد عقولاً فوق الراقية بأسباب ليست من مطالب الإبداع»..
بلى يا د. إبراهيم، إنك قد طرقت على وتر دامٍ، فمعايير الإبداع، ليست لغة أجنبية، ولا درجة دراسية، بل هي مهارات ذاتية، وخبرات ذات مصادر عديدة - فيها العلمية-، ومحكات ميدانية مانحة الرأي، صانعة القدرة، باعثة التمكّن، تدفع للابتكار، يملكها المرء في أي ميدان عمل، فما بال في ميدان التعليم الذي هو رحى الطحين، وساحة العجين، ومكنة الابتكار؟! وهذا ما ليس ضمن معايير «الاختيار» في الأغلب من الوظائف الإدارية التي يفترض فيها القدرة والموهبة، والحذاقة، وروح المبادرة، ومهارات الابتكار، وإمكانيات التجديد، وأريحية التحفيز، ودافعية الإضافة، ومهنية التجديد بخبرة ثرية تفوق الخبرات العلمية النظرية التي قد لا تكون أكثر من ناتج إصغاء، وكتابة سطور متكئة على سواها، ومعرفة ما تلبث أن تتبخر تتلكأ ببقاياها الألسنة، ومن ثم لمعة ألقاب، ولا علاقة بينها وبين ميدان العمل الذي يسند إليها..
إن اللغة الأجنبية غدت محور القبول للوظائف ولا نحسب أن هناك دولة سوف تشترط عند توظيف واحد من رعايا بضرورة إتقانه العربية، وإن الدرجات الأكاديمية طغت بغثها، وسمينها على المضامير بما فيها ما يتطلب إلى مهنية، أو إبداع..
وإن ملاحظاتك أخي د. إبراهيم ربما تكون فاتحةٌ لبدء النظر من كل ذي نظر من الذين بأيديهم الاختيار ليشرعوا طريقاً للنهوض بما يدار في أي مضمار من مضامير العمل عطاء، ومسؤولية، إشرافاً، ونتائج من كبوات الاختيار، يراد منه الإنتاج والإنجاز، لا التمظهر والتكرار، وذلك بتقديم، وبتقدير الكفاءات المتميزة بقدراتها، وخبراتها، ومهاراتها، لا بألقابها، ولا بحروف تتقدم أسماءها، ولا بألسنة تعوجُّ، أو بمعرفة تتراجع..
مع ملاحظة أن هناك نماذج من حملة الألقاب، ومتقني اللغات لهم من القدرات ما تقدر خبراتها، وتؤثّر عن غيرها بإضافة مزاياها، وخصائصها الذاتية هؤلاء بلا ريب يؤهلون للتقدم عن غيرهم أسوة بأولئك الذين يستحقون ولا يتمكنون.
تحية لك دكتور إبراهيم الإيحاء بفكرة هذه السطور..
فالتجارب في شأن سوء الاختيار، باعتماده على «اللغة الإنجليزية»، والدرجة «العلمية» كثيرة، وقد مررنا بنماذجها، غصت بها حلوق المشاريع، وتعطّلت عنها مسارات جداول أنهار لا تزال تشح بمائها في مواقع أعمالها.