د. جاسر الحربش
جندي في الجيش الإسرائيلي ولد في أمريكا وخدم في فلسطين المحتلة وقتل عام 1982م في البقاع اللبناني ونقلت جثته إلى الداخل السوري. بعد سبعة وثلاثين عاماً استلمت إسرائيل رفاته بوساطة روسية، وحصل التسليم في تركيا التي استلمت الرفات من طرف فلسطيني أو سوري عثر عليه خلال حفر المقابر في مخيم اليرموك بدمشق، وعلى الأرجح عثرت على الرفات إحدى المجموعات العربية المقاتلة في سوريا بعد التنسيق مع المخابرات الإسرائيلية، فسلمته للجهة المتعاملة معها (تركيا) وهذه سلمته لإسرائيل.
الأطراف المتعاونة في المهمة هي سوريا وروسيا وتركيا وإحدى المنظمات المحسوبة اسماً على العرب وتعاملاً على تركيا، وكانت المحطة النهائية إسرائيل، أي فلسطين المحتلة. يبقى فقط أن تتم إعادة دفن رفات الجندي في إحدى المقابر اليهودية في أمريكا مقر ولادته فتكتمل الدائرة، دائرة الاهتمام بالمواطن اليهودي في الحياة وبعد الممات.
أهمية الخبر بحد ذاته هي لأهل الجندي المتوفى ولأصحاب ديانته الذين لا يرضون لأحدهم أن يدفن مجهولاً في مقابر غير يهودية، ولكن يبقى الاندهاش الممزوج بالإعجاب المستحق تجاه الإصرار على إكمال المهمة مهما طال الزمن حتى لو تعلقت بشخص واحد مات في أراض أجنبية قبل عشرات السنين. المؤكد أن جميع الأطراف التي تعاونت مع الطرف الإسرائيلي لا توجد بينها دولة واحدة ولا طرف عربي يهتم لمئات وآلاف القتلى من رعاياه وأتباعه، ولا أين ومتى وكيف يفقدون وبأي أرض يدفنون.
من مجريات الأحداث نستنتج أن إسرائيل دفعت قطعاً ما يكفي من الأموال أو الخدمات لكل الأطراف التي تعاونت معها لاستعادة رفات جنديها، الذي تحتم القوانين الإسرائيلية إعادة دفنه حسب المراسم التلمودية حتى ولو أضحى تراباً والأرض فوقه ركاماً وبلاقع. ما يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي يحكمه قانون استعادة كل عسكري يهودي يفقد ويدفن في أرض مجهولة، ويفتح ملف المفقود دورياً للمسائلة حتى تتم الاستعادة. تشاركت من الطرف الإسرائيلي في المهمة المخابرات المدنية والاستخبارات العسكرية والاستخبارات الخارجية ووزارة الخارجية، ومن خلفهم القضاء الإسرائيلي يراقب ويتابع ويحقق.
رحم الله آلاف الجنود العراقيين الذين دفنتهم الجرافات الأمريكية في الصحاري أثناء تحرير الكويت، ورحم الله الأسرى المصريين الذين داستهم الدبابات الإسرائيلية ثم طمرتهم في صحراء سيناء، وآلاف العرب الذين يقضون يومياً في المعارك العربية العربية العبثية.
إن هؤلاء الذين عندهم الفرد يساوي المجموع وتصل قيمة الفرد منهم إلى حدود التقديس لا قيمة عندهم لكل الأغيار من الخلق سواهم، ولن نسترد حقوقنا منهم ونحمي مستقبل أجيالنا قبل إعطاء الفرد فينا قيمته الاعتبارية في الحياة وبعد الممات. هم يحاولون بإمكانياتهم العالمية الهائلة قطع الطرق على ذلك وإبقاءنا كما نحن، وأول الواجبات التربوية هي أن نعي ذلك.