خالد بن حمد المالك
أعرف وتعرفون أن العراق الأبي لا يقبل الإملاءات الخارجية في توجيه سياساته بما يقوض مصالح شعبه وأمته العربية، حتى وهو يمر بمعادلة صعبة في مواجهة التحديات؛ فإرادته لن تنحني أو تُسلّم إلا بما يتماشى مع مصالح الشعب، غير أن إيران لا تزال تجهل هذه الحقيقة، وتلوح من حين لآخر بإملاءات وتوجيهات، يرفضها شعب العراق وقياداته الحرة التي لا تساوم على مصالح شعبها.
* *
لهذا لم نفاجَأ حين خرج خامنئي عن الأعراف الدبلوماسية السائدة بتصريحاته المشككة في حقيقة العلاقات الأخوية بين المملكة والعراق، وتحدث بما يشبه التوجيه لرئيس وزراء العراق بأن التعاون السعودي - العراقي لا يعكس حقيقة الموقف السعودي من العراق؛ إذ كيف لنا أن نفاجأ ومَن يتحدث عن هذا هو الذي قال ذات يوم دون حياء أو احترام للعراق وشعبه الأبي «إن بغداد هي إحدى عواصم إيران، مثلها مثل دمشق وبيروت وصنعاء»، في تمرد منه على كل القيم والأخلاقيات الدبلوماسية التي تتعامل بها كل دول العالم.
* *
الرد العراقي الذي يتناسب مع التأكيد على استقلالية قراره، والبُعد عن سياسة المحاور، جاء سريعًا من مكتب رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي، على شكل بيان واضح، لا لبس فيه؛ فقد أكد البيان أن النهج العراقي قائم على التعاون مع دول الجوار، وأن بغداد ضد سياسة المحاور في علاقاتها مع جيرانها. مضيفًا بأن رئيس الوزراء سوف يبدأ بجولة على عدد من الدول العربية، أي إن البيان خلص إلى رفض بغداد الإملاءات الإيرانية، كما فهم ويفهم ذلك مَن يقرأ البيان.
* *
ومن المؤكد أن بيان رئيس الحكومة العراقية لا يتماشى مع ما تريده إيران، التي تحاول منذ سقوط نظام صدام حسين عزل العراق عن أمته العربية، وخلق إرباك لسياسة أي حكومة تتولى إدارة شؤون البلاد، غير أن ما لا يعرفه نظام الملالي أن العراق بتاريخه الناصع لا يمكن له أن يغرد خارج سرب أمته العربية، وأن قوته وضعفه يتوقفان على قرب أو بُعد المسافة في علاقاته مع جيرانه العرب.
* *
ولهذا فإن فشل السياسة الإيرانية في محاولاتها لعزل العراق عن محيطه العربي، من خلال ما صرح به المرشد الإيراني، يُظهر التخبط الإيراني في التعامل مع قضايا المنطقة، وهروبه خلف السراب في بناء تحالفات مبنية على التناقضات، والأفكار والسياسات والتعاملات غير الواقعية، بدليل تصريحات خامنئي ورد مكتب عادل عبد المهدي عليها بهذه السرعة والصراحة والوضوح.
* *
إيران ستظل هكذا دولة معزولة ومنبوذة ما لم تستسلم للواقع، وتتجنب المؤامرات ضد دول وشعوب المنطقة؛ فمنذ ثورة الخميني عام 1979م لم تحصد سياساتها القمعية لشعبها، والتآمر على الشعوب الأخرى، غير ما تراه الآن من تدهور في اقتصادها، وعلاقات سيئة مع دول العالم، وحصار أمريكي لها، جعلها عاجزة عن توفير مقومات الحياة الطبيعية للشعب الإيراني المغلوب على أمره.