«الجزيرة» - محمد السنيد:
كشف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين، عن الكثير من أسرار تاريخ الجمعية، والتحديات التي واجهتها على مدى قرابة أربعة عقود. وأوضح سموه في حوار شامل أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كان ولا يزال وراء إنشاء واستمرار الجمعية منذ يومها الأول، مشيراً إلى أنه شخصياً تشرَّف بعضوية الجمعية ومجلس الإدارة بتوجيه خاص من خادم الحرمين الشريفين -أيده الله-.
وقال الأمير سلطان بن سلمان في حوار تاريخي عن مسيرة الجمعية بمناسبة انتهاء أعمال الدورة الحادية عشرة لمجلس إدارتها: «إن قصة إنشاء الجمعية هي في الحقيقة توثيق لمواجهة قضية الإعاقة، وتأريخ لمسيرة رعاية المعوقين في المملكة العربية السعودية»، مشيراً إلى أنه منذ التحاقه بالجمعية قبل أكثر من 30 عاماً حدَّد أهدافاً رئيسة لتطوير هذه المؤسسة الخيرية بصورة جذرية، ووجَّه كل وقته وجهده وفكره لإنجاز ما يخدم الناس بما يليق بمكانة المملكة في هذا المجال.
وأكد سموه أهمية أن نضع بين أيادي أعضاء الجمعية العمومية (كشف حساب) يرصد بعضاً من مخرجات وصعوبات تلك الدورة الاستثنائية التي امتدت قرابة خمس سنوات، وتُوجت بالكثير من الإنجازات على مسارات رئيسة، في مقدمتها توسع وتطوير خدمات الجمعية، وتعزيز ريادتها الوطنية، وتنامي ثقة المجتمع بأدائها.
وتناول الأمير سلطان بن سلمان الكثير من المحاور التي تبلور الأفكار الخلاقة، والجهود المتميزة التي كانت وراء تحقيق الدور البارز للجمعية واحتلالها مكانتها الرائدة، وذلك بمشاركة نخبة من الكفاءات الوطنية المشرفة.. وإلى نص الحوار:
* سمو الأمير.. ملابسات المرحلة التي توليتم فيها رئاسة مجلس إدارة الجمعية جزء لا يتجزأ من التطورات الكبيرة التي جرت على مسيرتها منذ ذلك الوقت حتى الآن.. ماذا تقول في ذلك؟
- كان الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله-، وهو رجل نبيل، قد تقدَّم باقتراح لتأسيس الجمعية لسيدي والد الجميع الملك سلمان -يحفظه الله-، والذي شارك في هذه الرحلة منذ بدايتها، عندما كان أميراً للرياض، وكان الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- يتولى المسؤولية. ولذلك؛ فإن الجمعية نشأت -والحمد لله- وهي مدعومة أدبياً وبكل الأبعاد.. وعلى ما أتذكر أنه جاءني خطاب من معالي الدكتور غازي القصيبي، أعتقد في أوائل الثمانينيات يدعوني إلى عضوية الجمعية، واشتركت كعضو. ولم تكن قضية الإعاقة من القضايا التي أتابعها بشكل دقيق، وكنت أكتفى بسداد رسوم العضوية، ولكن أيضاً الجمعية لم تكن ترسل لنا كأعضاء أي شيء يجعلنا مهتمين بمتابعتها -للأسف-؛ ولذلك كان في مقدمة الأولويات لديَّ بعد تشرفي برئاسة مجلس إدارة الجمعية هو التواصل الدائم مع أعضاء الجمعية العمومية.
* سمو الأمير.. بعد عودتكم من رحلة الفضاء الشهيرة حلقتم مرة أخرى في فضاءات كثيرة، من أبرزها مجال قضية الإعاقة والمعوقين.. كيف تصفون التحليق الجديد؟
- في عام 1988م، كنت في رحلة إلى أمريكا، وتلقيت اتصالاً من أخي معالي الدكتور عبدالرحمن السويلم نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية حالياً.
وذكر لي أنه يرغب مني -كعضو من أعضاء الجمعية العمومية- أن أرشح نفسي كرئيس لمجلس إدارة الجمعية الجديد، وفهمت منه أن الجمعية كانت تعاني في ذلك الوقت من بعض المتاعب المالية، وأن مجلس الإدارة قد حُل أو انحلَّ، فيما أُسند إلى معالي الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- مهمة خارج المملكة، وقال إن الجمعية تحتاج إلى تدخُّل؛ فاعتذرت، خصوصاً أنني كنت منشغلاً بعد رحلة الفضاء، إلى جانب عملي في القوات الجوية. هذا إلى جانب أن القضية لم تكن أساسية بالنسبة إليَّ، وبعدها بأقل من ساعة اتصل بي الوالد الملك سلمان -حفظه الله- وقال لي إن الجمعية مهمة بالنسبة للجميع، وإنه عمل مع الدكتور غازي القصيبي ومجموعة أخرى حتى تنشأ الجمعية، وإنه سوف يدعمها بكل الأبعاد؛ حتى يعيد تنظيمها، وتصبح -بمشيئة الله- مؤسسة خيرية ناجحة ومميزة مثلما كان مؤملاً لها إن شاء الله. ووجهني بالانضمام لها.
في ذلك الوقت كانت الجمعية عبارة عن مركز واحد في الرياض فقط، وقدمت اسمي للترشيح كعضو لمجلس الإدارة الجديد، وأتذكر وأنا عائد بالطائرة، كانت عندي فرصة، أن أجلس لأكتب الأفكار؛ لأن قضية الإعاقة والمعوقين بشكل عام لم تكن تمثل أولوية في اهتماماتي؛ فقررت أن أضع -كأي مهمة أبدأ فيها من الصفر- أهدافاً رئيسة تجعلني أهتم بالموضوع، وأن يكون له هدف يستطيع الإنسان أن يدفع ثمنه من عمره ومن وقته وصحته؛ حتى يكون هناك شيء منجز ينفع الناس. حقيقة هذا هو الأساس.
* سمو الأمير.. ما أهم المحاور الرئيسة التي تبلورت في ذهنك خلال هذه الرحلة وكانت بالفعل أساس الكثير من مبادرات الجمعية وبرامجها؟
- انطلاقاً من قناعتي الشخصية بأن أي إنسان يعمل في المجال الخيري خاصة ما يدفعه هو الإنجاز الذي يخدم الناس؛ فكتبت عدة نقاط، أولها.. أن الجمعية يجب أن تتبنى قضية الإعاقة، وليس فقط قضيتها كجمعية صغيرة؛ فكان ذلك أحد المحاور الرئيسة التي أقرها مجلس الإدارة؛ لتنطلق من التعريف بالإعاقة، وكيف نمنع حدوثها بأمر الله سبحانه وتعالى، وكيف نجعل المجتمع متقبلاً للمعوقين وقضيتهم، وكيف نجعلهم مندمجين في المجتمع يسهمون ويعيشون حياة طبيعية.. ولا يعني أن تكون عندك إعاقة أن تعيش خارج المجتمع وخارج الدورة المجتمعية، وألا تكون شخصاً سعيداً يتمتع بكافة الحقوق كالتعليم والوظيفة والزواج والأسرة.
وثانياً مواجهة أسباب الإعاقة، ومحاولة الوقاية منها. وأتذكر جيداً أنه كان في مقدمة ذلك.. التوعية عن الحوادث المنزلية، والتوعية بالسياقة الآمنة، وكل الأمور التي لاحقاً تبنتها الجمعية في مجموعة مبادرات مثل التوعية بمخاطر حوادث السيارات في مبادرة (الله يعطيك خيرها) على سبيل المثال.
وثالث الأهداف كان الاهتمام بالبحث العلمي؛ لأنه لا يُعقل أن مجتمعاً يعاني من الإعاقة، ولا تتوافر فيه برامج ممنهجة عن طريق العلاج والبحث العلمي وتحسين حياة المعوقين في الوسائط والوسائل..؛ فكان أحد الأسباب التي قدمت فيها فكرة إنشاء مركز متخصص لأبحاث الإعاقة الذي أصبح لاحقاً مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، بهدف مواجهة الإعاقة قبل حتى أن تحدث، مثل برامج التدخل المبكر والفحوص الطبية وغير ذلك، وكل البرامج الكبيرة التي تبناها مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، ومن ضمنها النظام الوطني للمعوقين، وبرنامج الوصول الشامل، والبرامج البحثية الممتازة مع الجامعات العالمية، وغير ذلك.
* سمو الأمير.. هل هدف إنشاء المراكز كان واضحاً منذ بداية علاقتكم بالجمعية؟
- كان هدفي الأساسي في الجمعية هو بناء ثلاثة أشياء، قبل بناء المراكز؛ أولاً إعادة بناء سمعة الجمعية، وبناء الثقة بخدماتها. تلك الثقة التي تحظى بها الجمعية الآن، وهي نتيجة جهد كبير وجماعي استهدف اكتساب المصداقية، والتي أدت إلى الهدف التالي، وهو بناء قدرات الجمعية المالية؛ حتى تستطيع الاستمرار.
ومنذ البداية استبعدنا مسألة تحصيل رسوم مقابل ما تقدمه الجمعية من خدمات كمصدر للدخل؛ لأنني مقتنع بأن الشخص الذي لديه طفل معوق هو أصلاً مرهق بهذه الإعاقة وخدمة المعوق، فما بالك بإرهاقه بالرسوم الإضافية. والجمعية استمرت حقيقة في بناء مواردها المالية وبرامجها الوقفية الخيرية، بهدف أن يغطي مردودها مستوى عالياً يتعدى 60 و70 في المائة من ميزانية التشغيل.
من جهة أخرى قامت الجمعية ببناء منظومة شراكات منذ عام 1988م؛ حيث سعينا إلى بناء مجموعة شراكات مجتمعية مع المؤسسات الوطنية التجارية المعروفة حتى تكون هناك مداخيل ثابتة لتمويل خدمات الجمعية.
* سمو الأمير.. إن عضوية مجلس إدارة الجمعيات لم تعد للوجاهة الاجتماعية بل مسؤولية كبيرة تحتاج إلى جهود غير عادية.. ما رأيكم في ذلك؟
- هذا هو المبدأ الذي أرسيته -بفضل الله تعالى- منذ أول اجتماع لمجلس إدارة الجمعية؛ حيث قلت للإخوان الأعضاء: نحن اليوم نشكر الله -سبحانه وتعالى- ثم نشكر أعضاء الجمعية العمومية الذين انتخبونا؛ بمعنى أنه ليس لنا فضل في أن نخدم الجمعية، بل الجمعية متفضلة علينا بأن أعطتنا فرصة أن ننتمي إلى هذا العمل الخيري المميز. نحن لا نحتاج إلى أسماء، بل نحتاج إلى أشخاص تعمل بكل إخلاص. اسم الجمعية هو الاسم الذي يظهر، وليس أسماء الأشخاص؛ لأنه هناك مؤسسات عدة تذخر بوجود أسماء وشخصيات معروفة، ولكن لا تجدها مؤسسات موثوقة وتعاني من أزمات ومشكلات؛ ففهم الجميع أننا لا بدَّ أن نشتغل لأن الجمعية كان وضعها المالي متدنياً، وكان لها مركز واحد في الرياض، وبعد ذلك بدأنا نشوف القرارات التي يجب أن تُتخذ، والتي كان أحدها أن الجمعية يجب أن تتوسع رأساً؛ أي نستوعب الأطفال بعد سن 12 سنة، ونخدم من هم في المرحلتين المتوسطة والثانوية. ودرسنا الموضوع، وكان قراراً حاسماً برفض ذلك المقترح، ولم يكن قراري فقط، ولكنه كان قرار مجلس الإدارة؛ بأننا لا نريد أن نتشتت في الاختصاص لرعاية الأطفال، وأن الاعمار الثانية لها اختصاص آخر، ومشاكل أخرى؛ فقررنا أن نكون جمعية وطنية، ونتوسع في أنحاء المملكة. والآن عندنا أحد عشر فرعاً أو أحد عشر مركزاً، ولله الحمد.
وعلى صعيد العضوية في مجلس الإدارة أود أن أذكر هنا أن الجمعية كانت صاحبة السبق في إتاحة الفرصة للقطاع النسائي للمشاركة في عضوية مجلس الإدارة، حيث كانت من أولى المؤسسات التي قدمت المرأة السعودية ودفعتها لتقوم بدور بارز في هذه القضية؛ حيث حرص مجلس الإدارة على طرح فكرة ترشيح المرأة في انتخابات الجمعية، وأصرَّ على الحصول على موافقة الجهات المشرفة على ذلك، حتى دخولها مجلس الإدارة، وما تقدمه من دور بارز في هذا الصدد.
* سمو الأمير.. هل صاحب هذه البداية القوية مبادرات أو محاور أخرى للتنمية المالية وضمان استدامة الجمعية؟
- لقد وضعت منذ البداية أفكاراً ومحاور رئيسية لدور الجمعية في المستقبل، والتي كانت أساساً لبرامج ومبادرات تنمية الموارد من جهة، والتوعية والتثقيف من جهة أخرى. وكانت أولى هذه المبادرات مع البنك العربي الوطني، والتي أطلقنا عليها مبادرة (افعل خيراً)، ثم توالت برامج الشراكات مثل مبادرة (دع الباقي لهم) بالتعاون مع شركة بنده، ومبادرة (المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق) بدعم الرسالة الإعلامية للجمعية، والتي لا تزال تتواصل على مدى أكثر من عشرين عاماً، ومبادرة (عطاء الطلاب) التي شملت المئات من المدارس، وشارك فيها نحو 70 ألف معلم وطالب، وحققت أرقاماً غير مسبوقة.
كذلك برنامج (جرِّب الكرسي)، والمبادرة الوطنية التوعوية (الله يعطيك خيرها). ولكن كانت أهم أهدافي في تنمية موارد الجمعية هي إدارة ما تمتلكه من أراضٍ أو عقارات بطريقة استثمارية.
أتذكر أنه عندما جاءنا عرض بيع على الأراضي التي في مكة المكرمة، بخمسمائة ريال للمتر، ومساحتها نحو 80 ألف متر تقريباً؛ أي بقيمة إجمالية تبلغ نحو 40 مليون ريال. والجمعية كانت تحتاج إلى أموال بصورة حرجة، ولكني كنت كرئيس مجلس إدارة ومجموعة الإخوة الأعضاء مقتنعين بعدم بيع الأرض، ورغم أن الجمعية كانت حينذاك بلا مورد فقد طرحت على أعضاء مجلس المجلس، وأخص منهم اثنين من رجال الأعمال بأننا نشترى هذه الأرض إذا رأي المجلس بيعها، وعلى أن تبقى باسم الجمعية، وإذا أردتم البيع في أي وقت فهذا ضمان موقع مني أن نشتريها بنفس مبلغ اليوم، والحمد لله لم تبع؛ لأن اليوم أقيمت عليها أبراج تساوى قيمتها أضعاف هذا المبلغ.
وأتذكر عندما اشترينا أرض جدة التي يوجد عليها مركز الجمعية حالياً، كانت 80 ألف متر تقريباً، وكان زميلي أسامة قباني -جزاه الله خيراً- كان المشرف المالي، ولا يزال، وهو حقيقة من الأشخاص الذين بنوا السمعة المالية لهذه الجمعية المميزة، واليوم تنال الجمعية أعلى درجات التقييم والمصداقية في الحوكمة، وتطبيق أرقى معايير الرقابة والشفافية المالية، وهذا طبقاً لشهادات المحاسب القانوني أمام الجمعية العمومية للجمعية، المهم نفس الشيء حصل؛ فقد كانت الأرض معروضة للبيع بسعر 590 ريالاً، وقلت أمام المجلس أنا وبعض الأعضاء نشتريها، وهذا توقيع، ووقع الأخ أسامة عليه،.. وقلت إذا أردتم البيع بالمبلغ هذا فنحن نشتريها غداً، اليوم الأرض تساوى ملايين -والحمد لله-. والآن هناك عمل جاد للتوسع في مشروع وقفي كبير جداً.. والأمر نفسه تكرر في مشروع «واحة طيبة» بالمدينة المنورة فقد كانت الدولة تبيع بعض الأراضي في المنطقة المركزية، وبالتواصل مع اللجنة المشرفة برئاسة المهندس عبدالعزيز الحصين، تم شراء قطعة الأرض التي بنى عليها مشروع استثماري خيري تم تأجيره بسرعة ومداخيله ثلاثة أضعاف تأجير أي عقار في أي مكان آخر...
* سمو الأمير.. ما قصة إنشاء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة؟ وما أهميته؟
- من ضمن قرارات مجلس الإدارة الأول، أنني عرضت اقتراحاً بفكرة المركز، وتقبله مجلس الإدارة ثم وجَّه بدراسة إنشاء مركز الأبحاث، واستقطبنا الدكتور محسن الحازمي، وهو رجل قدير حقيقة، الذي أسهم في انجاز الدراسة، وبتكليف من المجلس-، رفعت الدراسة إلى الملك سلمان -حفظه الله-، وكان أمير منطقة الرياض في ذلك الوقت، وعرضت عليه - أيده الله - موضوع مركز الأبحاث، وإننا سنواجه الإعاقة بكل أبعادها، وكانت الدراسة مرفقة بخطاب للملك فهد -رحمه الله- مع اقتراح بأن يتفضل الوالد بتقديمه للملك فهد الذي كان أحد أبرز الداعمين للجمعية -الله يرحمه-، ولكن الوالد -حفظه الله- قال نصاً: «دعونا نبدأ وسأدعمكم، ثم نقدم للملك فهد شيئاً ناضجاً؛ ومنحنا - حفظه الله - خمسة ملايين ريال، واختار له شعار (علم ينفع الناس).
في أول الأمر، بدأنا نعمل بثلاث منح بحثية بدعم الأمير سلطان بن عبدالعزيز -الله يرحمه- وهو رجل الخير، من خلال مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، والذي بدأ معنا في كل شيء، على موضوع البحث الوطني الذي أعده الدكتور محسن الحازمي، وبحث مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وبحث آخر بتبرع من الأخ عوده العودة -رحمه الله - من أسرة محترمة.
وكانت ثلاثة أبحاث رئيسة، والمركز بدأ يتوسع، وكانت هناك أعمال ضخمة بدأت تسير، ولكن لا يوجد تمويل؛ فرفعت الامر للملك سلمان -؛ فتفضل بمنحنا خمسة ملايين أخرى، ثم رفع الامر إلى الملك فهد الذي قدم -يرحمه الله - عشرة ملايين ريال، على ما أتذكر.
* سمو الأمير.. وبالنسبة إلى إطلاق اسم الملك سلمان على المركز.. كيف كان ذلك؟
- عندما تبرع الملك سلمان لإنشاء المركز، وأولاه رعايته منذ البداية، رأى الإخوة في المجلس التشرُّف بأن يُسمَّى المركز باسمه -حفظه الله-. وقلت لهم: ربما لا يقبل؛ فتطوع بعض الإخوان المهندس محمود طيبة والدكتور عبدالرحمن السويلم، ويبدو لي أن الأستاذ عبدالرحمن السدحان كان معهما، وهو رجل نبيل وقدير بكل معنى الكلمة، الذي صار فيما بعد أمين عام مجلس الوزراء، وهو من الناس المؤسسين الذين تعلمت منهم. وأقنعوه -سلمه الله- بأن اسمه سيعزز الثقة بالمركز ودوره. وهذا فعلاً أفادنا في المستقبل.. وفعلاً قال: إذا كان في ذلك زكاة الجاه وزكاة الوجود في المجتمع فأنا أقبل. وفعلاً تحركنا.. وكنت أقول في يوم من الأيام من المستحيل أن المركز سيستمر بإعانة أو بمبلغ بسيط، وببحث ممول وكذا، وجئت اليوم التالي، وقدمت فكرة لمجلس إدارة الجمعية بأن المركز يجب أن يتوسع، ونحتاج إلى أن يكون فيه مؤسسون يتولون دعمه، في حدود عشرين مؤسساً، واليوم وصلوا فوق المائة وعشرة مؤسس.
لم أكن أتوقع أتوقع إقبال الناس على دعم البحث العلمي على مستوى بعيد المدى أو استراتيجي، وفي ذاك الوقت كانت كلها أشياء الناس تضحك عليها، لكنني آمنت أن هناك من الخيرين والوضع الاقتصادي في المملكة كان ممتازاً؛ لذلك وافقت الجمعية، وهذا أدى لاحقاً إلى وجود اقتراح بأن ينفصل المركز كجمعية مستقلة لها جمعية عمومية. وأيضاً بالنسبة إلى اسم الملك سلمان، ومؤسسيه من كل الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
من جهتي شرعت في جولة على رجال الأعمال وهم يقومون بترتيب لقاءات في بيوتهم لمجموعات من رجال الأعمال في المنطقة الشرقية وجدة وكل المناطق؛ حتى تحققت فكرة تشكيل مجلس المؤسسين.
* سمو الأمير.. امتداداً لدور مركز الملك سلمان في مجال البحث العلمي تبنت الجمعية مع أول دورة لمجلس الإدارة برئاستكم موضوع تنظيم المؤتمرات الدولية للإعاقة.. فهل توضح لنا ذلك؟
- هذا حقيقي.. شهدت أول دورة لمجلس الإدارة بعد أن توليت المسؤولية في الجمعية أول مؤتمر علمي دولي للإعاقة والتأهيل برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -الله يرحمه- وافتتحه بالإنابة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ثم توالت المؤتمرات التي تبنتها الجمعية ثم تبناها مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة مع الجمعية، حتى عُقد مؤخراً المؤتمر الدولي الخامس للإعاقة والتأهيل برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين، وكان مؤتمراً عالمياً بمشاركة خمسة آلاف عالم ومفكر وباحث من كل أنحاء العالم، وكان له ثقل علمي وبحثي كبيران.
هذه المؤتمرات خرجت من رحم هذه الجمعية، وكذلك مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة له مبادراته عالية الجودة مثل النظام الوطني للمعوقين الذي على أساسه خرج نظام الوصول الشامل وخرجت الكثير من الأنظمة ثم هيئة المعوقين التي صدرت بأمر الملك سلمان، وتبناها أساساً مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة.
* سمو الأمير.. بالطبع هناك مواقف إنسانية وتجارب شخصية مررتم بها خلال تلك الفترة من مسؤوليتكم بالجمعية، هل نستطيع إلقاء الضوء عليها؟
- أود أن أشير هنا إلى قصة تصميم شعار الجمعية الجديد؛ فهي قصة طريفة؛ إذ كنت قد أُعجبت بشعار أحد المستشفيات في أمريكا، وبحثنا عن الذي قام بتصميم الشعار، وبالفعل تم التواصل معه، واسمه (نيك ساي)، وتم تكليفه بتصميم شعار الجمعية، وهو شعار متميز، وقد حصل على جوائز، وأصبح معروفاً؛ فهو يحمل مضامين عدة؛ فقد كان الشعار القديم تقليدياً عبارة عن طفل جالس على الكرسي مع خلفية خضراء. ونحن تبنينا رسالة مضمونها أن الإعاقة ليست نهاية الدنيا، وأن لا شيء يقف حائلاً أمام طموح الطفل وتجاوزه لسلبيات الإعاقة وخدمة نفسه ومجتمعه.
نحن لا نبحث عن إثارة شفقة المجتمع؛ لأن مَن يحزن يتصدق عليك، ولكن الذي يتفاءل بالمستقبل يشاركك ويدفعك إلى الأمام معه؛ فخرج الشعار عبارة عن شخص قائم يمثل المجتمع يساند الطفل المعوق.. وألوان الشعار أيضاً ألوان مبهجة.
ومن المواقف التي لا تُنسى أيضاً قصة إنشاء مركز الملك سلمان لرعاية الأطفال المعوقين بحائل. وأذكر أنني كنت جالساً في إفطار خاص للوالد بالبيت، وكان وقتها الوالد -سلمه الله- أميراً للرياض، وكما يقولون «النية مطية»؛ فقد قدَّر الله -سبحانه وتعالى- أن أفتح موضوع زيارة إلى حائل، وقلت للوالد -حفظه الله-: إننا نستهدف إنشاء مركز للأطفال المعوقين في حائل، ونستأذنكم في دعمه.
وكان الدكتور ناصر الرشيد حاضراً في المجلس، وهو بالطبع يقدر الملك سلمان وبينهما علاقة عمر؛ فالتفت إليَّ، وسأل: كم تبلغ تكلفة المركز؟ فقلت نحو 13 مليون ريال؛ فقال: أنا أتبرع بها، ولكن بشرط إطلاق اسم الملك سلمان على المركز. ورغم اعتراض الملك سلمان، ولكن الحقيقة أن الدكتور ناصر الرشيد أصرّ على ذلك. وتم الإنشاء.
وهناك موقف أيضاً مع سمو الأمير طلال -رحمه الله-، وكنا قد أرسلنا إلى مؤسسة (أجفند)؛ للتعاون معهم في مجال التعليم؛ لتطوير مناهج تعليم الأطفال المعوقين، وقدموا دعماً يُقدر بنحو ثلاثة ملايين ريال. وأتذكر في ذلك أنه عندما تبرع الأمير طلال -رحمه الله- جاءت ملاحظة أن (أجفند) مخصصة لخارج المملكة، ولكن الأمير طلال تدخل -رحمه الله- وحصلنا على التبرع.
ولا أنسى أيضاً موقفاً لسمو الأمير أحمد بن سلمان -رحمه الله-؛ فقد كان من أوائل الذين نهضوا لدعم الجمعية في مجال الإعلام، عبر المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق؛ من خلال اتفاقية تعاون لا تزال إلى الآن مستمرة بفاعلية كبيرة.
وأتذكر أيضاً أنه في مرحلة من المراحل كان لدى الجمعية نحو أربعة ملايين ريال. وكان الإخوة في مجلس الإدارة يفكرون في طريقة لاستثمار هذا المبلغ بحرص شديد؛ فتواصلت مع الشيخ عبدالعزيز بن موسى، واجتمعت معه، وقلت له: نريد أن نستثمر هذا المبلغ في العقار، ولكن الإخوان في مجلس الإدارة حريصون على ألا يضيع؛ فقال -رحمه الله-: «اعتبروا المبلغ عندي»، وبالفعل بعد شهرين ونصف أرسل شيكاً بـ16 مليون ريال. وهذا يؤكد أن «النية مهمة»، وكلها قصص إنسانية أكثر منها مؤسسية أو إدارية.
ومثلاً عندما طرحنا فكرة برنامج (جرِّب الكرسي) أتذكر أن الناس كانت مندهشة من البرنامج، وعندما أطلقناه في أحد المراكز التجارية بالرياض وحضره نخبة من الوزراء والقيادات، وتوالى تطبيقه في كل المناطق برعاية شخصية من الأمراء، كانت تلك التجربة البداية لبلورة نظام وطني هو مشروع الوصول الشامل الذي تبناه الملك سلمان -الله يحفظه- عندما كان أميراً للرياض.