عبدالوهاب الفايز
الأرقام الجديدة للنمو السكاني في مدينة الرياض التي صدرت مؤخرًا، وكشفت وصول سكان مدينة الرياض إلى قرابة 7 ملايين نسمة، وبمعدل نمو سنوي 3.5 في المئة، وأيضًا موافقة الهيئة العليا لمنطقة الرياض على خطة التطوير والتحسين لمحاور النقل والطرق في مدينة الرياض، تعيدنا اليوم مرة أخرى للحديث عن موضوع الحالة المرورية في العاصمة؛ فما نقوم به من معالجة فنية سلبية أو إيجابية في الرياض بالتأكيد سوف تنعكس آثاره على بقية مدننا.
في الرياض سوف نظل ننفق الأموال الكبيرة لرفع سعة الطرق، ولتحرير بعض محاور النقل داخل العاصمة وخارجها، ونستمر بالتحسينات للتقليل من مناطق الاختناق، والأموال المطلوبة لـ (تحسين) الحالة المرورية ثمة حاجة ماسة لها في الصحة والتعليم والإسكان، ومع الأسف إننا سوف نظل مضطرين لها لكي نعالج (الاختناقات المرورية في أوقات محدودة).
هذه الحالة للهدر المالي ربما هي نتيجة لعدم القناعة والإدراك أن الحلول الهندسية المستمرة وحدها غير كافية لاستيعاب المشكلة المرورية. والتجارب الدولية في معالجة المدن الكبرى أكدت أن توسعة الطرق بدون أنظمة متكاملة لإدارة حركة المرور والنقل عادة ترفع الطلب على السيارة، وهكذا تستمر الزحمة والهدر للموارد.
هذا الوضع المروري السلبي مستمر؛ لأننا نغفل عن عوامل رئيسية، مثل: غياب كفاءة الإدارة للطرق؛ فإدارة السير بقيت مستقرة على نمطها القديم الذي عرفناه منذ ثلاثة عقود. ويضاف إلى هذا سوء التصاميم الهندسية التي أيضًا بقيت كما عهدناها منذ ثلاثة عقود. أيضًا تدهور سلوك القيادة بشكل كبير في السنوات الماضية الناشئ عن غياب تطبيق الأنظمة عقَّد المشهد. وهناك سبب رئيس غير مدرك، هو: سوء تخطيط المدن الذي أعطى الأولوية للنشاط التجاري؛ ليكون على الطرق الرئيسية داخل المدن؛ وهو ما أوجد ظاهرة (الوقوف المزدوج) عند المطاعم والمحال التجارية. والآن نرى تعطُّل حركة المرور في الشوارع الواسعة، ونرى الاختناقات عند التقاطعات.. فحركة المرور مختلطة مع المشاة والمتسوقين.. (فوضى سريالية جميلة!).
هذا الخلل في الأداء الحكومي يذكِّرنا بموضوع (استهلاك الكهرباء)؛ فقبل مشروع التصحيح لأوضاع استهلاك الطاقة كنا بحاجة إلى إنفاق مئات المليارات من الريالات لرفع إنتاج الكهرباء؛ لكي نغطي استهلاك فترة الذروة في ثلاثة أشهر من السنة، أي فترة الصيف. هذا الوضع نعيشه الآن مع الحالة المرورية؛ فالزحام المروري الذي نتعايش معه أغلبه ناتج من سوء إدارة الوقت، ومن الإفراط في السرعة من الأغلبية. هذا طبيعي أن يحوِّل مداخل ومخارج الطرق إلى (عنق زجاجة)، وعندما دخل نظام (ساهر) كان أحد أهدافه الفنية الضرورية هو توزيع الحركة، وليس (الجباية) كما توجسنا، ولكن (الأخ ساهر هذا) أصبح قزمًا متواضعًا جريحًا أمام عملاق الانفلات المروري، ومؤشرًا على غياب (هيبة النظام!).
كمثال على هذا الوضع: نتذكر افتتاح بعض محاور النقل الرئيسية التي كنا نظن أنها سوف تنهي الزحمة في العاصمة؛ فبعد الافتتاح تتعطل الحركة من جديد، وبعد بضعة أيام توضع الحواجز، ويعاد إغلاق مداخل وفتح أخرى.. وهذا يسمى عدم قراءة السلوك المروري، أي توضع التصاميم على حالة مثالية للحركة. هذا يتيح لنا رؤية صورة حية للانفصام بين سلوك الإنسان والمكان. وخطورة هذا الوضع المضطرب تجعلنا نعزز التصورات عن ضرورة الاستمرار في الإنفاق على توسعة الطرق؛ وبالتالي استمرار إهدار مواردنا المالية؛ لأننا غير قادرين على إدارة السلوك الاجتماعي والفردي وفرض النظام.
نتمنى أن نجد من يقتنع بأننا نحتاج إلى رفع كفاءة الإدارة المرورية حتى نعالج الخلل الرئيسي الذي أوجدناه في بناء المدن وتخطيطها. المدن الأفقية صعبة جدًّا في الإدارة والتشغيل لضعف الكثافة السكانية. علينا أن ندفع الثمن غاليّا. التفكير الاستراتيجي وتحليل المخاطر المترتبة على النمو الكبير ضرورة لنتجنب إهدار مواردنا المالية، وتجنُّب نمو المشاكل المهددة للحياة وللسلام الاجتماعي في المدن الكبرى المليونية.