عروبة المنيف
درجت العادة أن نذهب أنا وزوجي بعد ولادة كل طفل من أطفالنا إلى مدينة أهل زوجي من أجل أن يراهم جدهم وجدتهم ويباركانهم، وليؤذن جدهم في آذانهم ويدعو لهم بالصلاح والهداية. وقد كان بيت جد أولادي محاطاً بما لا يقل عن خمسة مساجد، جميعها تنقل الصلوات الخمس بمكبرات الصوت، ويستحيل أن يكون النقل متزامناً بالمساجد الخمسة، فغالبية الوقت يكون هناك تضارب في أصوات المكبرات إلى الدرجة التي أذكر فيها أنني كنت أضبط المنبه قبل موعد الأذان، أي قبل بداية ارتفاع أصوات المكبرات المتضاربة من كل اتجاه، من أجل معانقة طفلي وتهدئة روعه، واستمر في عناقه وهدهدته إلى أن تنتهي الصلاة في كل المساجد الخمسة المحيطة.
كبر الأولاد، وبجانب بيتي مسجد الآن أيضاً، ففي حينا لا أستطيع حصر عدد المساجد. المسجد الذي بجانب بيتي ينقل الصلاة كاملة بالمكبرات، وهذا كان وما زال مصدر تشويش لي عند أدائي لصلواتي أيضاً، فلا أستطيع التركيز ولا الخشوع، وانتظر انتهاء الإمام من صلاته حتى أصلي، فصوت ميكرفونه في داخل بيتي. لقد عانيت من أصوات ميكرفونات المساجد وأولادي صغار، وما زلت أعاني الآن عندما كبروا، فالصلاة تنقل حية للحي كله ومن كل مساجد الحي!. فمن أين يأتي الخشوع وكيف تحضر السكينة لمن يصلي في بيته في ظل هذا التضارب في الأصوات وفي القراءات؟.
دفعني الحماس لكتابة معاناتي مع مكبرات الصوت في المساجد، عندما تم أخيراً تداول فتوى للشيخ صالح الفوزان، عضو مجلس كبار العلماء والمجمع الفقهي بمكة المكرمة وعضو اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، فقد قال؛ إن رفع مكبرات الصوت للمساجد مستنكرة، واعتبرها مصيبة وأذية للناس وللبيوت وللمرضى ولمن يصلون في بيوتهم، مطالباً وزارة الشؤون الإسلامية وشؤون المساجد أن يتعاهدوا تلك المساجد ويأخذوا على أيدي هؤلاء الأئمة الذين لا يراعون أحوال الناس.
ولطالما سمعنا عن تعاميم صادرة من وزارة الشؤون الإسلامية موجهة لأئمة المساجد بعدم استخدام مكبرات الصوت سواء لنقل الصلاة أو الخطبة أو أي محاضرة خارج أروقة المسجد، لنشهد عدم التزام الأئمة بتلك التعاميم، نتيجة اجتهادات شخصية ترى بعاطفتها أن عدم نقل الصلاة بالمكبرات يتنافى مع إظهار الصلاة وشعيرتها، لاغين مشاعر الناس والعباد سواء من هم في بيوتهم أو المارة، فلا يعلمون أنهم بهذه الطريقة لا يخدمون الشعيرة بل يجعلونها مصدر إزعاج وأذى كما صرح الشيخ الفوزان بفتواه. كذلك من معاير اختيار المؤذن حسن صوته، ولنا في رسول الله أسوة حسنه عنما اختار بلال ابن رباح لعذوبة صوته، ونرجو أن تتنبه الوزارة لهذا المعيار عند تعيين المؤذن.
رمضان على الأبواب، ولا نريد تكرار سيناريو كل سنة في عملية التضارب بين المساجد في الحي الواحد لنقل صلاة التراويح بالمكبرات، تلك مشكلة نعاني منها برمضان، فمن يتروح في بيته لن يستطيع التركيز والخشوع في الصلاة، ومن أراد أن يتروح في المسجد فهي قريبة ومتاحة للجميع. فكما ذكر الشيخ الفوزان في فتواه، الرقابة ضرورية على المساجد ويتوجب معاقبة من لا يلتزم بالمعايير والضوابط التي تضعها الوزارة، فإن تركنا تلك المساجد لأهواء الأئمة، ندعو الله أن تقبل صلواتنا على الرغم من عدم السكينة والطمأنينة والتركيز.