د. محمد عبدالله العوين
توقف الزميل فهد الأحمدي عن الكتابة في زاويته اليومية «حول العالم» بصحيفة الرياض بعد ثمانية عشر عاما، وعلل أسباب توقفه في مقاله الأخير «كيف انتهت هذه الزاوية» بأن كتابة المقال في الصحف الورقية لم يعد لها ذلك التأثير الكبير، وأن تغريدة واحدة تحمل فكرة عميقة بأسلوب محكم تحقق من التأثير ما لا تستطيع المقالة الورقية تحقيق عشره في مئات القراء.
إقدام كاتب محترف أيا كان اسمه وتأثيره وتاريخه لا بد أن يضع أمامنا عشرات التساؤلات عن مستقبل الصحافة الورقية، وأن هذا القرار الجريء الذي اتخذه لم يكن سهلا ولا محببا إلى نفسه بعد أن كانت الكتابة هما يوميا له طوال ما يقرب من عقدين، وأن التفريط في عشرات الآلاف من القراء أمر جد عسير على النفس؛ فلا بد أن اطمئنانا كبيرا لا يقبل التردد قد وقر في نفسه فاتخذ قراره الصارم.
الأهم في هذه الخطوة أنها قد تفتح الباب واسعا وتشجع عشرات الكتاب الآخرين على الاقتداء به والتوقف تحت ذريعة افتقاد القراء، ولو تكاثر عدد الكتاب المتوقفين وافتقدت الصحف أبرز كتابها واعتمدت على المواد التحريرية الأخرى كالأخبار والتحقيقات ونحوها؛ فإنها بلا شك ستنهار الانهيار النهائي؛ فلا طعم ولا نكهة ولا قيمة لأية صحيفة بدون كتاب «الرأي» والمقال هو القيمة الحقيقية العميقة في أية صحيفة، أما الأخبار فلا تعد الورقية إلا مدونة إرشيف للخبر، لأن أدوات التواصل ووسائل الإعلام السريعة تقطف قصب السبق ولا تبقي للورق إلا الصدى.
ومما يعضد ويقوي احتمال تتابع مفاجآت التوقف عن الكتابة في الصحف الورقية إلى جانب فقدان نسبة كبيرة من القراء مما يفقد المقال تأثيره والغاية من كتابته ضعف المؤسسات الصحفية عن الوفاء بحقوق الكتاب المادية وتناقص مكافآتهم إلى أقل من النصف خلال سنوات الانحدار الثلاث المريرة في تاريخ صحافة الورق.
وأمام هذه الأوضاع الصعبة التي تعانيها المؤسسات الصحافية لابد من اتخاذ قرار جريء وحاسم ينهي حالة التردد في مصيرها ويوقف الموت البطيء الذي تعاني منه، فليس من المقبول أن تنتظر الجهات المعنية بالإعلام والثقافة وصورة المملكة في كل جوانبها السياسية والتاريخية والأدبية والحضارية اللحظة التي تلفظ مؤسساتنا الصحافية نفسها الأخير؛ فلا مناص من أن تقطع حالة التردد نحوها وتقرر؛ إما الإنقاذ والدعم بتكوين مصادر دخل لكل مؤسسة؛ انطلاقا من ضرورة بقائها، أو كتابة شهادة وفاتها مختومة بختم رسمي.
فاصلة أولى: ورد في مقالي السبت الماضي 1 شعبان 1440هـ أن كلمة «المرحوم» في سياق الحديث عن الأستاذ عبد الله العوهلي؛ وتبين لي أنه ولله الحمد حي يرزق؛ ولكنه يعاني من متاعب صحية، وأدعو الله له بالشفاء العاجل. وأعتذر عن ذكر تلك المعلومة الخاطئة.
فاصلة ثانية: أستأذنكم في التوقف عن كتابة هذه الزاوية مدة شهر، وسأعود بتاريخ 12 رمضان بمشيئة الله، وكل عام وأنتم بخير.