د. جاسر الحربش
قبل ثلاثة أيام، أقيمت الأفراح والليالي الملاح والطق والطقيق بمناسبة زفاف كريمة الطرف الأول خنفوسة إلى نجل الطرف الثاني خنفوس. مصاريف الحفلة كانت أكثر من كامل تكاليف العروسين منذ ولادتهما حتى دخول القفص الذهبي، بما يشمل الحفاضات والحليب والسيريلاك والمصاصات فيما بعد. المهم أن خنفوسة وخنفوس استقلا الطائرة برحلة شهر العسل، وفيها بدأت علامات عدم التطابق والنقص المريع في فهم الحياة الزوجية ومتطلباتها عند الطرفين. خنفوسة كانت في الطائرة تمضغ اللبان وتتلفت يمنة ويسرة وتحدق في ركاب الطائرة من جميع الأجناس من دون تحفظ. شعر خنفوسة كان مقبقباً ومموهاً باللون الأشقر الذهبي وشفتاها لا تختلف كثيراً عن منقار بطة ممسكة بسمكة نهرية، متضخمتان وملونتان بكونتراست لا يتناسب مع لون البشرة. رائحة خنفوسة كانت خلطة من العطر والمساحيق والسجائر التي دخنتها قبل صعود الطائرة. نعم خنفوسة كانت مدخنة شرهة تماماً مثل عريسها، وخنفوس يعرف ذلك. من آن لآخر كانت خنفوسة تلقي نظرة على خنفوسها المرتخي إلى جانبها بعد أن هده التعب من كثرة المعازيم والمهنئين ومن التفكير العميق الذي يلاحقه في الطائرة على شكل كوابيس عن المستقبل مع العروسة.
خنفوسة كانت تقارن بين هذا وأولئك في الطائرة، وتقول في نفسها «يا ربي كيف سوف أصبر على هذا الرجل طول العمر، ليتني لم أوافق على الزواج وبقيت لأطول فترة على حياتي الجميلة من الحرية والدردشة والتغريدات والكلام الحلو في المقاهي». خنفوس بجانبها كان يحلم وتتغشاه الكوابيس متذكراً حياة الحرية مع الشلة والاستراحات والتزويغات إلى بلاد الله الواسعة في الشرق والغرب، محفولاً مكفولاً بأموال الوالد وحنان الوالدة. كان خنفوس يفتح عينيه من آن لآخر ليجد خنفوسة بجانبه، ثم يبسمل ويحوقل متأملاً كيف سيعيش طول عمره مع خنفوسة ذات البراطم والشعر المصبوغ والرائحة المركبة من مشتقات التبغ والمساحيق والعطور، ثم ينظر بنصف عين إلى المضيفات المقبلات المدبرات، أو يلتقط اختلاسة نحو بعض المسافرات معه في الطائرة من كل جنس ولون.
المهم أنه بعد وصول العروسين إلى الفندق غطس الاثنان في نوم عميق استمر إلى مغرب اليوم التالي. بعد التخلص من وعثاء السفر حاول خنفوس مجاملة خنفوسة بكلمتين حلوتين، لكنها لم تتجاوب معه. في اليوم الثالث قالت خنفوسة إلى خنفوس دون أن تنظر إليه «طلقني، اكتشفت أننا لا نصلح لبعض»، وخنفوس قال فوراً وبدون تردد «أبشري تم».
هذه القصة غير حقيقية ومن نسج الخيال لكنها قد تتكرر كثيراً في السنوات الأخيرة، والمسؤولية تقع على من كانوا السبب في إتمام زيجات بين من لا يفهمون معنى المسؤولية والتكامل في الحياة الزوجية وتربية الأولاد.