د. أحمد الفراج
تحدثت في المقال الماضي عن الهان عمر ورشيدة طليب، الديمقراطيتين اللتين انتخبتا لمجلس النواب، وهذا أمر غير مستغرب، فأمريكا هي أرض الأحلام لمن يجيد اقتناص الفرص، وهي التي انتخبت ابن مهاجر إفريقي ليرأسها. هذا، ولكن الهان ورشيدة تجاوزتا حدود الحرية، التي هي حق أصيل لكل مواطن أمريكي، واستمرأتا الهجوم بكل اتجاه، مما جعلهما عرضة للنقد حتى من قبل الديمقراطيين أنفسهم، وأنا أتحدث هنا من منطلق متابعة دقيقة لهما، إذ أصبح الاستفزاز ديدنهما، فذات مرة، وفي نقاش في مجلس النواب، قفزت رشيدة من اللا مكان، لتتهم نائباً جمهورياً بالعنصرية، ما جعله يستشيط غضباً، ويعلن أن أحفاده من الملوّنين، فكيف يتهم بالعنصرية، وهنا تدخل رئيس الجلسة الديمقراطي ليعاتب رشيدة، التي كانت في موقف لا تحسد عليه، أمام النواب ووسائل الإعلام.
يخيل لي أن رشيدة طليب، ورغم أنها أمريكية، إلا أنها تعاني من رواسب أدبيات القوميين العرب ونظام إيران، أي أن أمريكا هي أم الشرور، وهي سبب مصائب العرب والمسلمين، أما الهان عمر، الفتاة النابهة، فهي لا تزال في طور الحماس غير المتزن، نتيجة لوصولها إلى قمة النجاح في بلد الفرص والحريات، بعد أن نشأت في ملجأ، وساعدها ناشطون أمريكيون، حتى وصلت إلى أمريكا، ولا أستبعد أنه يتم استخدامها من قبل منظمات مؤدلجة، مثل منظمة كير، التي بدورها تسخّر العمل الإسلامي لخدمة تنظيم الإخوان المسلمين الدولي، ولخدمة الدول التي ترعى التنظيم، وكم كان طريفاً أن تتهم الهان المجتمع الأمريكي بالعنصرية ضدها، وهو ذات المجتمع، الذي احتواها وساعدها مع أسرتها، وأتاح لها كل السبل، حتى وصلت إلى موقع يطمح بالوصول له معظم الأمريكيين، ولكنه الحماس، واستخدام مفهوم الحرية لانتهاك قيم الحرية ذاتها.
إن إساءة استخدام مفهوم الحرية عند الهان وطليب، يذكِّرني بقصة الأخ العربي الذي زار صديقه في أمريكا، فأراد المضيف أن يثبت لضيفه - عملياً - معنى الحرية، وبالتالي أخذه إلى مدينة واشنطن دي سي، وعندما أصبحا بمحاذاة البيت الأبيض، أخرج المضيف رأسه من نافذة السيارة، وبدأ يصرخ ويشتم أمريكا ورئيسها، وحينها أوقفته الشرطة ومنحته مخالفة، ليس لأنه شتم أمريكا والرئيس، بل لأنه أزعج الناس في مكان عام، وهكذا فشلت تجربته، لأنه تجاوز الحد القانوني لممارسة الحرية، ومثله الأخ المسلم، الذي قرّر، بعدما صعد إلى أعلى طابق في برج سيرز بمدينة شيكاقو، أن يصدح بالأذان، لأن أمريكا بلد الحريات، فانتهت تجربته بمخالفة، بعد أن اشتكى السياح من الإزعاج، والخلاصة، هي أن الهان وطليب تسرفان في استخدام مفهوم الحرية، بشكل يصل للوقاحة والاستفزاز، وهذا مؤشر غير جيد، وسيرتد أثره السلبي على المهاحرين، الذين يطمحون بصعود السلم السياسي في أرض الأحلام.