زكية إبراهيم الحجي
هل الأخلاق مجرد طباع وجزء من فطرة البشر؟.. وهل الفطرة هي العامل الأساسي وراء أفعال البشر الأخلاقية؟.. سؤالان لطالما أشغلا تفكيري وأنا أتابع الأحداث المأساوية في عالم اشتد فيه الصراع والحرب والقتل، وأصبح دم الإنسان رخيصًا، يسيل بيسر؛ ليروي التربة التي خُلق منها. حقيقة، إن التفكير المستمر في السؤالين السابقين ولَّدا قلقًا، أثار فضولي للقراءة المكثفة والبحث المتعمق عن الطبيعة الإنسانية والأخلاق. ومن خلال ذلك استنتجت أنه ما من ظاهرة من مظاهر الحياة الاجتماعية لأي شعب من شعوب العالم حظيت بتفسيرات متناقضة بقدر ما حظيت به ظاهرة الأخلاق.
وفي هذا المقال لستُ بصدد تسليط الضوء على التفسيرات المتناقضة للأخلاق كما استنتجتها مما قرأت، إنما الهدف تسليط الضوء على تلك الفجوة القائمة بين أنماط الحياة العصرية والقيم والمبادئ النابعة من جوهر الأخلاق الإنسانية.
وفي واقع الأمر ثمة حضور مشترك وفاعل للعقل والعاطفة في بناء الحياة الأخلاقية للإنسان، وفي رسم ملامحها الرئيسية للفرد والمجتمع على حد سواء، وإن اختلف زمن وكيفية الحضور، ومدى أثره وعمقه من شخص لآخر، ومن مجتمع لمجتمع.. حتى بين دولة ودولة مهما كانت قوتها ودرجة تقدمها. ويبدو أن رجل البترول الأمريكي الشهير «جون روكفلر» أشار ضمنيًّا إلى التحولات في لغة الأخلاق الإنسانية حسب الحاجة والمصلحة عندما قال في إحدى خطبه: «نمو المؤسسات يمثل البقاء للأقوى المسيطر؛ فالورود الأمريكية يمكنها أن تنتج ألوانًا زاهية وأريجًا عطرًا، ينعش الفؤاد إذا قمنا بالتضحية بالحشائش والنباتات الصغيرة التي تنمو حولها». ويتابع خطبته قائلاً: «ليست هذه أعمالاً شريرة، إنما هي طبيعة الأشياء وقوانين الطبيعة».
يبدو أن «جون روكفلر» يؤمن بقوة بالأخلاق الإنسانية التي تتخلف بفعل تقدم العلم والتكنولوجيا المتنامي، وما يصاحب ذلك من تحولات إنسانية؛ والدليل على ذلك هو تلك الحروب والصراعات التي تستعر من حين لآخر، وتفتك بأرواح الملايين من البشر بفعل تطور الأسلحة، فضلاً عن الاستغلال والتحكم بلا حدود.. وإلى تزايد وتيرة العنف بين البشر، وهذا يعني أن هناك علاقة عكسية بين التقدم التكنولوجي والتطور الحضاري، والتراجع بل التخلف الأخلاقي ونزاهة الضمير الإنساني.
في هذا السياق لا بد أن تبقى الطبيعة الإنسانية المرتبطة بالقيم والمبادئ الثابتة، والأخلاق السامية التي لا تتحول أو تتغير بتغير الزمان والمكان، هي ديدننا الذي يمنح الحضور الإنساني معنى متساميًا.. ويجعله أكثر سيطرة على نزعات الشر؛ ليبقى البشر أكثر قدرة وتمكنًا على صوغ أنماط حياتهم في قوالب أكثر رقيًّا.