د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في وصف حسن الوزان لطريقة معيشة القاطنين في الصحراء الكبرى، لاسيما صحراء ليبيا، وهي التي زارها في 920 هجرية، نقل لنا وصفاً عن اللباس والعادات، وكان وصفاً بحق يستحق الإعجاب، فقد كتب كتابه الذي من ضمنه هذا الوصف، وهو في إيطاليا التي مكث فيها ثلاثين عاماً، معتمداً على ذاكرته، وخالياً من الخوف أو الرجاء.
يذكر أنهم يلبسون الصوف الخشن، ويلف أحدهم على رأسه وحول وجهه قطعة من النسيج الأسود على شكل عمامة، أما كبار القوم، فإنهم يميزون أنفسهم بقميص طويل عريض، وأكمام من القطن الأزرق، ولا يركبون غير الإبل، ويضعون السنام خلفهم، وأحياناً يمدون أرجلهم على أعناق الجمال.
وينام القوم على حصر، ويصنعون خيامهم من نسيج الوبر، وألياف النخيل، ولديهم قدرة فائقة على تحمل الجوع، وهم لا يأكلون الخبز، ويكتفون بلبن نوقهم، يشربون في الصباح ملء إناء لبناً ساخناً فور حلبه، وفي المساء يطبخون قديداً في اللبن والدهن والسمن، ثم يأخذ كل واحد منهم قطعة من القديد، ويأكلها ثم يشرب المرق، مستخدماً يده كملعقة، ثم يتبعه بحساء، وهو عبارة عن شربة من اللبن، وبهذا يتم عشاؤهم.
يذكر أنهم لا يحتاجون إلى الماء، وإنما يكتفون بشرب اللبن، لهذا فإنهم لا يغسلون أيديهم ووجوههم إطلاقاً، وأعتقد أنه بالغ في ذلك ويذكر أن الإبل في فصل الربيع ترعى العشب، ولا تحتاج إلى شرب الماء، لأن ما يحويه العشب من ماء يكفيها.
يقضي بعض هؤلاء القوم حياتهم في الصيد ونهب إبل أعدائهم، ولا يقيمون في أيّ مكان أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام، فيرحلون بحثاً عن العشب في مكان آخر. وهم لا يخضعون لأيّ نظام أو قوانين لكن لهم أميراً يطيعونه، ويخضعون له تمام الخضوع، وهم أميون يجهلون كل شيء، ليس الأدب فحسب، لكن الفنون وجميع المعارف، وليس لديهم قاضي، ليحل المشاكل الآنية، وأما من تعرض لجريمة ما، فإن عليه أن يسافر مسافة خمسة أيام تقريباً حتى يعرض على القاضي قضيته، والقاضي في العادة يعطى مكافأة مجزية بسبب العناء الذي يلقاه في قلب الصحراء، كما أنه يذهب مجبراً.
والحقيقة أنهم لا يخصصون وقتاً للدراسة وطلب العلم، لهذا فإن الجهل أضحى سائداً بينهم، لكن يبدو أن الأعراف المتوارثة، هي التي تحدد نمط معيشتهم، وتداخلهم الاجتماعي، وعندما يأكل أحدهم، فإنه يرفع اللثام ليضع لقمته في فمه، ثم يغطيه، ويعللون ذلك، أن الإنسان عندهم يخجل من إدخال الطعام خجله عند إخراجه.
ويقول الوزان: إن نساءهم ممتلئات لحماً وشحماً، لكنهن غير شديدات البياض، يسلمن باليد بأدب، ولا يسمحن للرجال بلثمهن، وتجاوز ذلك يؤدي إلى اقتتال الرجال بضراوة، فهم لا يقبلون الخدعة أو المساس بأعراضهم. ويقول الوزان إنهم في ذلك أعقل من بعضنا.. مشيراً إلى نمط حياته في إيطاليا. وهم أناس في غاية الكرم، ويذكر أنه قد استضيف من أمير قبيلة لديهم، فذبح عدداً من الجمال الصغيرة والكبيرة، والأغنام، وبعض النعام، وعندما ذكر له أحد التجار، أن الزوار لا يأكلون سوى لحم الغنم، لهذا فالأولى الاكتفاء بها، أبى الأمير، قائلاً: إنه لا يليق بي أن أقدم لضيفي لحماً من أنعام صغيرة فقط، ومن إكرامهم ذبح كبار الأنعام المختلفة مثل الإبل، ويقول إن الأمير قدم لنا خبزاً، لكنه وقومه لم يأكلوه، فهم لا يستسيغونه، وإنما يقدم للضيوف فقط، فهم يكتفون باللحم واللبن، وإذا تيسر تمراً، فلا بأس بذلك.
هذه جملة مختصرة من عادات قوم كرام صنعوا لهم نمط حياة وعاشوا بها، وكلٌّ إلى الفناء وقادمٌ إلى ربه فملاقيه.