مها محمد الشريف
ما يحدث اليوم هو انقسام للعالم بعد انهيار النموذج السوفييتي وكل ما يبدو في الأفق انعتاق من سياج قديم مستوياته معقدة ومتدنية في التطور والتقدم التقني ومنهارة اقتصاديًا، وفي سياق هذا التخلف الاقتصادي تحالفت الجماهير ضد أنظمتها الحاكمة ووقف الجيش لحمايتها من القمع كي تتخطي المراحل الحرجة.
تحت ضغط الشارع في الجزائر والسودان تواصلت الاحتجاجات، فصاغت الشعوب موقفًا حاسمًا بصورة واضحة، انطلاقًا من إيمانهم بأن لا حياة مع سياسة تشرّع استمرار أبوتفليقة أو البشير لكراسي الرئاسة رغمًا عن الشعوب ومطالبها ومستقبل بلدانهم فكانت الاحتجاجات تحمل تفسيرًا قابلاً للفهم، وكانت الغلبة في النهاية للرأي الجمعي فهل واقع المواطن العربي ينطوي على تشابه همومه وقصص كفاحه في جميع الأوطان؟
ستكون النتيجة حتمًا، تكوين أحزاب ضد السلطة وتنامي العصيان وقدر هائل من الاضرابات وتعثر الكثير من الإصلاحات السياسية، وخلافًا لما كان يتتوقعه إِنسان السودان أو الجزائر يبدو أن التاريخ إفاقته من الخيبات التي مرت به ولكنه لن يمحوها وتظل في غاية القسوة لعقود ظالمة لم تنصفه حتى صعب عليه التمييز بين التعذيب والعقاب، فكلما توغلت الأحداث في قلب البلدان تحكي ألف قصة صنعها الاستعمار وفلوله من بعده فكانت القسوة تولد قسوة أشد، وانتقام قوامه الأساسي الحرمان من الحقوق والواجبات.
وهكذا كان على من أضرم الثورة الشعبية يتحمل العواقب المؤسفة والخسائر البشرية والمادية التي تنتج عن فشل الاحتجاجات إذا كانت تفتقر للمطالب بمعنى فشل الاحتجاجات لعدم واقعية المطالب، ففي كل الأحوال الماضية ستتغلب الدول المضطربة على مرارة وضراوة التدمير.
ولكن لا حاجة بنا للعودة للماضي، ولا سرد تاريخ جميع الديكتاتوريين باعتباره حججًا دامغة التنفيذ، ويجب ايقافها أو اقتلاعها من المراحل القادمة، نظرًا إلى أن التحرر من الأوهام أعمق ما يكون ومن أعظم المخاطر أيضًا إذا كانت معارضة النظام القديم.
يمكن لهذا كله أن يصنع مصاعب كبيرة في حال أصبحت ولاية سادسة للرئيس بوتفليقه وتجاوز البشير الثلاثين عامًا في السلطة دون تقدم يُذكر لتحسن المعيشة وتطوير اقتصاديات البلاد والعمل على نهضتها وازدهارها، إذا لا بد من أن يسأل الناس أنفسهم ماذا بعد الحراك الجزائري والحراك في السودان والحراك في ليبيا؟