عبدالعزيز السماري
كان قرار الإكوادور بإخراج اللاجئ جوليان أسيانج من السفارة بمنزلة الامتحان الجديد لمبادئ الحداثة الغربية وحرية التعبير والمثاليات التي يتغنى بها الغرب كلما أصدروا تقاريرهم عن الشرق، وعن أزماته مع حرية التعبير والديموقراطية..
وقد ألقت السلطات البريطانية القبض على جوليان أسيانج، مؤسس ويكيليكس، الخميس الماضي في سفارة الإكوادور في لندن، حيث قضى هناك 6 سنوات بعد منحه اللجوء السياسي، وتتهم الولايات المتحدة أسيانج بالتآمر مع تشيلسي ماننغ للوصول إلى معلومات في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية. ويواجه مؤسس موقع تسريبات الوثائق السرية عقوبة السجن لخمس سنوات إذا أدين بتلك التهمة.
منذ تأسيس هذا الموقع عام 2006، أصبح ويكيليكس مشهورًا بنشر آلاف الوثائق السرية التي تغطي جميع المجالات، تقريبًا من صناعة السينما إلى وثائق تتعلق بالأمن الوطني والحروب، ومهما اختلفنا حول ما يفعله أسيانج، لكنه كان له الدور الأكبر في فضح الطريقة التي تهيمن بها أمريكا على كثير من الشؤون الإِنسانية في العالم، بما في ذلك جرائمها الملحمية، خاصة في أفغانستان والعراق، والقتل الجماعي، وقتل المدنيين وازدراء السيادة والقانون الدولي.
هذه الإفصاحات الخطيرة محمية قانونيًا بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، وقد أثنى باراك أوباما بصفته مرشحًا رئاسيًا في عام 2008، وهو أستاذ القانون الدستوري، على المخبرين عن المخالفات، باعتباره «جزءًا من الديمقراطية السليمة، (ويجب) حمايتهم من الانتقام».
في عام 2012، تفاخرت حملة أوباما على موقعها على شبكة الإنترنت، بأن أوباما قد حاكم عددًا أكبر من المخبرين في ولايته الأولى مقارنة بجميع رؤساء الولايات المتحدة الآخرين مجتمعين، وقبل أن يتلقى تشيلسي مانينغ محاكمة، وأعلن حينها أوباما علانية إدانتها، ويحمي التعديل الأول أيضًا الناشرين والصحفيين والمبلغين، سواء كان محررًا لصحيفة نيويورك تايمز أو محرر ويكيليكس، حيث يصف مفهوم حرية التعبير على أنه «الفضيلة التأسيسية» لأمريكا أو، كما سماها توماس جيفرسون، «عملتنا».
يشك عدد قليل من المراقبين الجادين في أنه إذا ما وضعت الولايات المتحدة أيديهم على أسيانج، فإن مصيرًا مماثلاً ينتظره، وفقًا للوثائق الصادرة عن إدوارد سنودن، فهو على قائمة المطاردة، فقد أصبحت التهديدات باختطافه واغتياله عملة سياسية وإعلامية تقريبًا في الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب قيام نائب الرئيس جو بايدن في ذلك الوقت بمزاحمة مفادها، أن مؤسس ويكيليكس كان «إرهابيًا عبر الإنترنت»، وهو تمهيد سياسي للتصفية..
ستكون محاكمة جوليان أسيانج أكبر منصة في التاريخ الحديث لامتحان الديموقراطية الغربية وحرية التعبير المزعومة، فقد واجهها بوثائقها التي كشفت وجهها السري، الذي لا يكترث لمبادئ إعلان حقوق الإِنسان العالمي، فقد كانت وما زالت تقتل وتدمر وتسرق أراضي وثروات الغير، كان آخرها الجولان السوري، بينما تستخدم مخالفات العالم الآخر لتلك المبادئ لتبرير الغزو، تمامًا مثل كانت تفعل الإمبراطوريات الاستعمارية في الماضي، والتي تغزو الكفار من أجل هدايتهم، لكنها في الواقع جاءت لسرقة أموالهم وأراضيهم..