د. جاسر الحربش
أحاول اليوم طرح ظاهرة جمع الديات بعشرات الملايين لشراء رقبة القاتل العمد من أهل قتيل مغدور. في هذه الظاهرة التي يختلط فيها حسن النوايا بالنخوة العصبية ما يشبه صك كفالة ضد تنفيذ الحكم الشرعي، وكأن من المباح أن يوحى لمن نوى نية القتل: لا عليك اطمئن اذبح الرجل ونحن نتكفل لك بالدية.
أتوقع أن هذه الظاهرة لا توجد في أي مجتمع آخر إسلاميًا كان أو مسيحيًا أو يهوديًا أو غير ذلك، وهي موجودة فقط في بعض المجتمع السعودي الذي ما زال يحمل بعض الإرث القبلي التفاضلي بحسناته ومساوئه. ترك الموضوع هكذا للناس بدون تأطير شرعي يبيح أو يمنع، يكرِّه أو يحبب، يفسح أو يغلق، يترك أيضًا الأبواب مفتوحة لأسئلة مزعجة من النوع التالي:
- هل يسقط حق المجتمع العام في الحماية من احتمال تكرار القاتل العمد لفعلته في آخرين بعد إطلاق سراحه؟. الأصل الشرعي الذي صدر بموجبه الحكم بالقصاص كان بسبب انتفاء مبرر القتل دفاعًا عن النفس أو العرض أو الدين أو المال، وأن القتل كان مقصودًا غير مبرر يمكن تفاديه.
- عندما يكون للقاتل العمد افتراض تغطية ائتمائية تكفي لجمع الملايين لافتدائه، ما هو وضع القاتل العمد الفقير الذي ليس له من هذه الملاءات ما يتغطى به، والذي قد يكون وحيد والديه أو أحد والديه.
- عندما يكون أهل القتيل أضعف وأفقر اجتماعيًا من المجموعات المتنادبة لافتداء القاتل، من الذي يضمن عدم تعرضهم في الخفاء للتهديد أو استغلال حاجاتهم المادية للإغراء المادي، بينما تنتفي هذه الاحتمالات عندما يكون أهل القتيل من ذوي المنعة والغنى بما يحميهم من التهديد والإغراء المادي؟.
الأسئلة كثيرة لا يغطيها مقال صحيفة، وسبق أن وجهت السؤال إلى معالي فضيلة الشيخ وزير العدل أثناء اجتماعه مع كتاب الرأي قبل أيام. حسب ما فهمت من جواب فضيلته هو أن الشرع لا يبيح جمع الديات بهذه الطريقة لافتداء القاتل العمد، ولكن الشرع لا يستطيع التدخل لأن التصرف في مثل هذه الأمور من المتروكات للناس بعد أن يصدر الشرع حكمه النهائي في الجريمة.