رجاء العتيبي
ربما يكون صندوق (نمو) الثقافي الذي أطلقته وزارة الثقافة مؤخراً, أهم مبادرة ينتظرها القطاع الثقافي منذ أمد طويل, إذا ما عرفنا شح الميزانيات في هذا القطاع والذي استمر لسنوات طويلة, الصندوق بهذه المواصفات والمميزات والمعايير خبر مشجع ومفاجئ وسعيد, جاء ليشكل قيمة منتظرة للمثقفين والفنانين بمختلف اتجاهاتهم, جاء ليؤكد أن وزارة الثقافة تعمل من أجل تطوير قطاع الثقافة بما يتواكب مع تطلعات العاملين في هذا المجال وفقاً لرؤية السعودية 2030م.
تخطو وزارة الثقافة في برامجها بخطى هادئة ومتدرجة, وهذا أفضل بكثير من النقلات السريعة وحرق المراحل, فالثقافة كائن حي يتطور بشكل تدريجي حتى يكتمل, ومن الضروري أن نعطي لكل مرحلة حقها من العمل والنقد والتمحيص, لنعرف الزوائد التي يمكن قصها والجديد الذي يمكن أن تأخذ به, وهذا ما تعمل عليه الثقافة.
يهدف صندوق نمو إلى دعم القطاعات الثقافية، في مختلف المجالات الإبداعية، كالكتابة والتأليف والنشر وصناعة الأفلام والمحتوى البصري والمسرح والتشكيل، وغيرها. مع التركيز على تطوير المحتوى المحلي وتمكين المواهب الوطنية وتحويلها إلى عناصر منتجة وفعَّالة.
وعندما يؤكّد الصندوق على التمكين, فإن هذه خطوة جديدة لم تكن موجودة في السابق سوى اجتهادات لا يمكن قياسها, خطوة تجعل من السعوديين منتجين للفن والثقافة, وليس مجرد مستهلكين, أن تكون منتجاً للفن أظنه هدفاً عظيماً يستحق أن نهيئ له بيئة متكاملة (تحفيز, تنافس, تقدير, دعم مالي) والفن والثقافة تكتمل به منظومة السعودية العظمى, لتكون منتجة للإبداع بأعلى معاييره, وبأعظم قدرة تنافسية.
التأكيد على المواهب الشابة, لا يعني القطيعة مع الأجيال السابقة, وإنما هي مراحل تراكمية, لأن الفكر ينبني على فكر سابق له, ينبثق منه, يضيف إليه, يطوره, يأتي بجديد من خلاله, لأن الإبداع هو في الأصل عملية (تركيب) من أشياء أخرى, لهذا عدوا مهارة التركيب أعلى مراحل (مهارات التفكير) لا شيء فوق مهارة التركيب.
حراك وزارة الثقافة منذ أن أعلن عنها, يعطي مؤشرات بحالة ثقافة جديدة يتطلع إليها الجميع, ففي كل مرة تتحفنا الوزارة بخبر جميل وقرار صائب وفكرة مؤثّرة, يتبقى الأنظمة والقوانين المسيرة للعمل الثقافي, أنظمة عمل القطاع الخاص, قوانين حفظ الحقوق والمرافعات والجزاءات, أنظمة عقود العمل في قطاع الثقافة, نظام واضح المعالم يمنح الفرص العادلة, نتطلع أن تكتمل بنية العمل الثقافي قريباً, ونبدأ في عملية الإنتاج ويكون المثقف شريكاً في بناء برامج وزارة الثقافة, ليتحقق بكل الأطراف منتج ثقافي سعودي يقود قطاع الثقافة محلياً وإقليمياً.