د.ثريا العريض
حين نواجه أوضاعنا وتفاصيلها بالرصد والتحليل, لا التهليل السطحي النظرة, نجد مفارقات وأزمات تعوقنا عن مواجهة تحديات التنمية بالفعالية المطلوبة. ومن أهم العقبات ضعف التدريب المهني والإعداد النفسي والقيمي, وتقبل تعطيل المواطنين عن العمل في أي موقع عام تحت تبريرات تخوفات واحتمالات واهية.
التوطين لا يتم ببساطة استبدال أجساد وعقول لا تملك المهارات المطلوبة للمجالات التي يشغلها ويقدم خدماتها الوافدون. وتضيف لتفاقم الأوضاع انحرافات التستر وتشغيل عمالة غير نظامية.
التنظيم مطلوب لتغيير المعادلة والأوضاع. ولكن البدء في العلاج يبدو مرًا وصعب الابتلاع؛ شبابنا وشاباتنا طموحون ولكن معظمهم محبطون, ومرئيات ومتقبلات مجتمعنا ما زالت لا تواكب الحاضر، ومسؤولونا التنفيذيون يحاولون وبالكاد يستطيعون مجابهة كل التأزمات المتداخلة والمترابطة الجذور والتفرعات لمشكلة مركبة: البطالة ومجالات العمل والاستقدام، ما يحدث فيها وما ينتج عنها.
باختصار؛ كقيادة رؤيوية تطمح إلى الخروج من معادلة المجتمع الريعي والعلاقة الأبوية في مجتمع مؤسساتي لم يعد يمتلك قدرة مادية افتراضية عالية, ويحاول مواكبة إنجازات المجتمعات المتقدمة نعاني أخطاء إستراتيجية معظمها متعلقة بتشبثنا بمعتاداتنا وأعرافنا التي لم تعد تواكب الأوضاع الحالية: ما زلنا نؤمن أن العمل اليدوي لا يليق بنا ولا بأبنائنا ولا بناتنا، بل ما زال هناك من يرى أن الأفضل هو ألا تعمل الفتيات والسيدات في الحيز العام.
ما يبشر ويدعو للتفاؤل أننا على مستوى صناع القرار والمسؤولين لم نعد نتفاعل بأسلوب ردود الفعل لحل الأزمات بعد وقوعها, أو على الأقل احتوائها مظهريا؛ بل بمنطلق المبادرة والتخطيط أي توقعها مسبقا وإيقافها قبل تفاقمها إن لم يكن قبل حدوثها. وعلينا ألا ننزلق لخيار الحلول السهلة أي معالجة المشاكل بعد تفاقمها بحلول تجميلية وتسكينية تتوجه للشكليات وليس أصل المشكلة.
هنا أقترح على مؤسساتنا التعليمية من مرحلة ما بعد الإعدادية العامة أن تدخل كعامل دعم أساسي للتطور المطلوب, وترشيد وعي المجتمع, وتسهيل تنفيذ القرار الاقتصادي: نحتاج أن يشمل التعليم ما بعد الإعدادية وفي المعاهد والكليات والجامعات مسارات وتفرعات جديدة تؤهل الطلاب للدخول في المجال الصناعي والتخرج بمهارات مفيدة. ونحتاج للإرشاد واكتشاف الميول العملية مبكرا للتوجيه المنتج ذي المردود لاحقا. ركزنا كثيراً على المحتوى النظري والتدريب للأعمال المكتبية وأهملنا متطلبات وضرورات العمل اللا مكتبي كالتصميم والتشغيل والصيانة وإدارة المنشآت.
جميل أن تأتي إلينا فرصة التصنيع ولو بدئيا بشكل تجميع لقطع صنعت في الخارج. والأجمل أن يكون فيها فرصة لتجذير الصناعة والصيانة كمجال للعمل لشبابنا وشاباتنا وتدريبهم للإضافة الذاتية مستقبلاً.
وسنرى مجالات النجاح تفتح على مصاريعها لكل من لديه الشغف والمهارة ويبذل جهداً.. وتنتج جهودنا مبتكرين متميزين.