محمد آل الشيخ
دولة الخلافة هي حلم يتفق عليه وعلى ضرورة تحقيقه كل الحركات المتأسلمة السياسية على اختلاف توجهاتها، رغم أنها مجرد شعار، وليس لديهم أي نص قاطع مانع متفق عليه من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة، اللهم إلا بعض المقولات والاجتهادات السلفية التي نادى بها بعض الفقهاء، لكن التاريخ الإسلامي يثبت أن القضايا السياسية تركها المشرع - جل وعلا - لاجتهادات المسلمين، بما يحقق العدل والإنصاف والتساوي في الحقوق والواجبات بين الناس.
غير أن الحركات المتأسلمة التي تستغل الإسلام، وتسيسه، هي منذ الخوارج حتى جماعة الإخوان كانت من أهم أسباب الفتن والكوارث التي ألمت بالمسلمين، منذ أن التحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى حتى اليوم. وفي تقديري إن هذه الحركات المتأسلمة ستستمر ما لم يتم التصدي لها كما تصدى المسلمون للخوارج، التي كانت أول حركة سياسية متأسلمة عرفها الدين الحنيف.
المتأسلمون يتناولون دول الخلافة التي عرفها التاريخ الإسلامي تناولاً رومانسيًّا انتقائيًّا، يظهرون المحاسن، ويتجاوزون المساوئ متعمدين، وإلا فإن تاريخ الدولة في الإسلام هي كبقية الدول في التاريخ، التي عرفتها التجارب الإنسانية، فيها من المساوئ مثل ما لها من المحاسن، وفيها من التجليات العادلة مثل ما فيها من التجليات الظالمة، والفيصل في الموضوع ليس الشكل وإنما الجوهر.
دولة داعش، أو كما يحب أن يسميها أنصارها (دولة الخلافة الإسلامية)، كانت في حيثياتيها وتطبيقاتها واستدلالات أساطينها ومنظريها دولة لم تزد على أنها نزّلت ما تحتويه اجتهادات بعض السلف، وجعلتها عمليًّا قيد التنفيذ، فكانت في المحصلة النهائية تلك الدولة التي رفضها المسلمون قبل غيرهم من غير المسلمين، وكل من قال إنها دولة لا تمت للموروث الفقهي الإسلامي بصلة فهو مجافٍ للصواب.
وفي تقديري إننا لا يمكن أن نواجه عيوبنا إلا إذا واجهناها مباشرة وبصراحة وشجاعة؛ ليمكن لنا الاستفادة من هذه التجربة، وعدم تكرارها مستقبلاً.
كما أن داعش في حقيقتها كانت إفرازًا طبيعيًّا ومتسقًا مع ما كان يسمى في العقود الثلاثة الماضية بالصحوة الإسلامية، التي كنت - ومعي كثيرون - أعلم يقينًا أنها ستنتهي إلى ما انتهت إليه دولة داعش، وهذا ما حصل بالتمام والكمال. فلا يمكن إطلاقًا، وأكرر إطلاقًا، أن يعيد التاريخ نفسه كما يردد الحالمون، وإعادة عقارب الساعة للوراء؛ فالحياة وشؤون الناس هي دائمًا وأبدًا في حركة متطورة ومتغيرة، والعودة بها إلى الوراء، وإحياؤها من جديد، أمر متعذر، وضد ميكانزمات الحياة، وهو ما يرفضه المتأسلمون، فهم يصرون على أن بإمكانهم العودة بالحياة إلى الوراء، و(إحياء) ما اندثر منها، رغم أن ذلك أمر مستحيل، والاستحالة هنا مطلقة.
أما الشريعة الإسلامية فهي أمر دنيوي، ولأنها كذلك فهي تتغير وتتبدل حسب متطلبات العدل، ولا يمكن لا عقلاً ولا شرعًا القول بثباتها، ولا يمكن إغفال ضرورة أن تواكب الزمان والمكان؛ فالثابت الذي لا يتغير العدل والمساواة والحقوق، أما (الوسائل) لتحقيق هذه الثوابت فهي متغيرة وليست ثابتة، وإن رغمت أنوف المتأسلمين.
إلى اللقاء