يوسف المحيميد
كلما توقفنا عن اللهفة والشغف في اكتشاف المجهول والجديد توقفت بنا الحياة، وكلما عثرنا على ما يثير دهشتنا أدركنا أن العالم أكبر وأعمق مما نتخيل، أقول لنفسي هذا الحديث الجانبي كلما استوقفني كتاب، أو فيلم، أو لوحة، أو إنسان أو حتى جماعة نسيها المكان وطمرها التاريخ والسنوات، فالأحد الماضي كتبت عن جماعة تونسية هامشية عاشت في ثلاثينات القرن الماضي، اسمها جماعة تحت السور، تعيش النقمة والتمرد ضد المجتمع التقليدي، واليوم سأكتب عن فنان تشكيلي تونسي اكتشفته بالصدفة من خلال كتيب معرض أقيم له قبل سنوات، اسمه حمدة دنيدن، قلت لمديرة معرض «لمسات تونسية» من هذا الفنان؟ ولماذا لم تكن لوحاته ضمن الفنانين التوانسة، مع أن إبداعه متفرد، أكثر من كثير ممن عرضت لوحاتهم، فبررت أن المعرض جاء بترتيب سريع تزامن مع القمة العربية المنعقدة مؤخرًا، طلبت منها رقم هاتفه، وفي الصباح التالي كنت في مرسمه الصغير الذي لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار فقط، لكنه مرسم يضخ أعمالا عظيمة إلى العالم.
حين وصلت سيدي بوسعيد، قادني تونسي إلى مركز بريد سيدي بوسعيد الذي ينتظرني الفنان أمامه، وجدته مبتسما وهو يصافحني ونسير معا كما لو كنا أصدقاء منذ عقود، كان بسيطا متواضعًا، ليس مدعيا، يصعد فوق سلم صغير كيف ينزل لوحاته من الأعلى، فالمرسم ضيق جدًا، ولا بد من ابتكار طريقة مناسبة للتخزين، باستغلال السقف.
هذا الفنان الذي يقصده مقتنون أجانب من أوروبا، لا يختلف عن فنان مراكشي اكتشفته قبل بضعة أشهر، اسمه عبدالرحيم إقبي، يسكن في مساحة ضيقة فوق الجاليري الذي يحتكر أعماله، يعيش ويبدع فحسب، وأعماله وصلت جاليريات معروفة في أوروبا، هؤلاء المبدعين العرب لم تُقدر أعمالهم إلا من الوسط الأوروبي، ويعيشون حياة بسيطة من غير ادعاءات، يعملون على فنهم بشغف وعشق، يرسمون على كل شيء، لا يبحثون عن المال إلا ما يكفل حياتهم الكريمة، هؤلاء لم يتباكون على جمعيات أو دولة لم تهتم بأعمالهم، وإنما يعملون بإخلاص لأكثر من نصف قرن، يعملون بانضباط لأنهم لا ينتظرون شيئًا، فالفن بالنسبة لهم أسلوب حياة.