د. عهود سالم
في المسلسل الأمريكي الشهير: المكان الجيد، في جزئه الثاني، تظهر تهاني الجميل وهي إحدى الشخصيات الرئيسة في المسلسل في اختبار، ستؤهل إذا اجتازته للانتقال للمكان الجيد في حياة البرزخ. ويتكون الاختبار من ممر طويل وعلى جانبيه مجموعة أبواب، يقبع خلفها أشخاص قابلتهم في حياتها الدنيا. ويتلخص التحدي في استمرار تهاني في السير حتى انتهاء الممر، دون الالتفات لما يُحكى خلف هذه الأبواب عنها.
تنجح تهاني في السير إلى أن تصل إلى باب، عليه اسم أبويها. تقف تهاني عند الباب مستمعة لحديثهما عنها في مقارنة لها مع شقيقتها.. لكنها لا تستطيع أن تتمالك نفسها فتدخل الغرفة في نقاش مع والديها مدافعة عن نفسها، مما يجعلها غير مؤهلة للانتقال للمكان الجيد. المسلسل كوميدي في طابعه العام إلا أنه يوصل رسائل فلسفية ذكية، تعري عدم منطقية النفس البشرية التي تجعلها تتوقف عن السير مثلاً لتستمع لما يقال عنها.
وإذا ما تأملنا في حياتنا، سنجد بأنها لا تختلف كثيراً عن كونها ممر طويل على جانبيه أبواب مختلفة. هناك أبواب صديقة خلفها يقبع المخلصون الذين يهتفون لنا.. وهناك أبواب عدوة يحاول من يعيش خلفها الانتقاص منا. وفي نهاية الممر الطويل ستكون الغاية التي خلق من أجلها الإنسان، والتي لن يصل إليها إلا إذا استمر في سيره نحوها غير آبه بالأصوات التي معه أو ضده. أن تصل أو لا تصل هو قرار شخصي بالدرجة الأولى. فالثبات في السير وتجاوز الأبواب دون النزول للرغبة في معرفة ما يقال عنا بأيدينا. مهمة الإنسان لا تكمن في تكميم الأفواه، بل في عدم الوقوف عند ما يقال عنه. جزء كبير منا نسي أن يسير على الطريق، وقضى حياته كلها مجادلاً، في محاولة لإقناع من حوله بأنه إنسان جيد، ليجد بأن وقته على الأرض قد انتهى ولم يصل للغاية. والجزء الآخر كتهاني، قطع مسافة جيدة بنجاح، ثم توقف عند الباب الأخير فخسر التحدي.
شخصياً، وجدتني في فترة من حياتي متوقفة عند إحدى الأبواب العدوة. استغرقت وقتًا أطول مما ينبغي في الوقوف. وفي اللحظة التي هممت فيها أن أدخل تذكرت بأن لدي مهمة. وخلصت إلى قناعة مفادها: لا تقف عند الباب. وإن وقفت، فلا تدخل.