عروبة المنيف
ما هي ساعة الغفلة؟ هل هي ساعة الموت المفاجئ كما سمعنا عنها؟ أم أننا نعيش في حالة من الغفلة؟ دارت في ذهني تلك التساؤلات وأنا أقرأ كتاباً لعالم النفس ستيف تايلور بعنوان «القفزة»، حيث شرح الكاتب بإسهاب حالتي الغفلة واليقظة لدى الإنسان، لأكتشف أن الكثيرين ممن حولنا يعيشون في حالة من الغفلة وهم لا يعلمون {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
حسب تايلور، فالنظام النفسي لحالة الغفلة يتشكَّل تدريجياً داخل النفس لتصبح «الأنا» أكثر قوةً واستهلاكاً لطاقة الإنسان فيتحول بعدها إدراك الإنسان الحسي ليصبح تلقائياً، وتبدو حالة الغفلة لديه حالة طبيعية، فهي كل ما يعرفه ويعيه، ولكن عندما يستيقظ الإنسان من غفلته يشعر بأنه قد عاد إلى وطنه، إلى المكان الذي من المفترض أن يكون به دوماً.
ولكن ما هي خصائص حالة الغفلة التي تكلم عنها تايلور والتي يعيشها الإنسان الغافل؟ يوضح تايلور في كتابه أن أول خاصية لحالة الغفلة هي الانفصال وعدم التواصل مع العالم، حيث يشعر الإنسان الغافل بالاستقلالية ويرى بأن «الأنا» هي كيان محصور داخل الجسد وغير مرتبطة بالروح، فيزداد تبعاً لذلك إحساسه بهويته، سواءً الدينية أو العرقية أو الجنسية أو غيرها، وتزداد ثرثرته الفكرية اللا إرادية ويقبلها الإنسان على أنها مسلّمات ليرى العالم من خلال ضباب ثرثرته الفكرية ومرشحات مفاهيمه المسبقة. لقد أوضح تايلور عدة سمات لحالة الغفلة تشمل إدراك الغافل لأناه المزيّفة الساعية لتحقيق الثروة والسلطة والجاه والمركز. وسلّط الضوء على محدودية الرؤية لديه، فحبه لذاته يجعله يركز على عالمه الشخصي الضيق، المليء بالمشاكل والقلق، فهو لا يأبه لمشاكل وقضايا مجتمعه والعالم من حوله ليصبح همه هوية الجماعة وانتماءاته. ونتيجة لذلك يتركز سلوكه في إلهاء النفس عن خلافاتها الداخلية «تناقضاتها» نحو الأشياء الخارجية، كتكديس الممتلكات والثروة والإنجازات نتيجة انخفاض شعوره بالأمان.
أما المستيقظون من البشر - حسب تايلور- فتتلخص سماتهم في أن إدراكهم للعالم يكون أكثر كثافة، فتبدو الألوان لديهم أكثر إشراقاً، والأنشطة اليومية أكثر متعة وحيوية، ولا تستهلك الأنا والثرثرة الفكرية طاقتهم ليصبحوا أكثر استمتاعاً باللحظة الراهنة. ففي حالة اليقظة يصبح الماضي والمستقبل أقل أهمية من الحاضر الذي يكتسب أهمية كبيرة لديهم. يشعر المستيقظون بالحيوية والانسجام والتواصل والإحساس بالآخرين والتوحّد مع العالم ويرتفع لديهم مستوى التعاطف والرحمة. إنهم لا يشعرون بالهوية الجماعية، ولا يعرفون أنفسهم بإنجازاتهم أو يفخرون بانتماءاتهم. إن نظرتهم للكون أوسع وأشمل. ينشغلون دوماً بالقضايا المجتمعية والعالمية لا بمشاكلهم الخاصة، فهم ليسوا مركز الكون. يعيشون حياتهم بأخلاق ومسؤولية ونزعة خيِّرة لكل البشر دون تمييز، فهم ممتنون دوماً، ولديهم صفة الإيثار والمشاركة وشعور قوي بالتخفيف من معاناة الآخرين ليتلاشى لديهم الدافع لتكديس الممتلكات والثروة والجاه.
كتاب تايلور عن حالتي الغفلة واليقظة، كتاب مثير للاهتمام والاطلاع، فهو يسلّط الضوء على التطور الإنساني وكيف نستطيع خلع ثوب الغفلة عنا لأن صدورنا قد ضاقت به ويلزم الأمر تبديله بثوب أوسع وأرحب، إنه ثوب اليقظة الذي يشمل رحابة الكون بأكمله. التساؤل: أين نحن من هاتين الحالتين، هل نعيش حالة الغفلة أم حالة اليقظة أم بينهما؟
أترك الإجابة للقارئ.