د. خيرية السقاف
لعلي كنت محقة حين اتخذت من تطبيقات تقنية التواصل موقفاً محايداً، فلم أستخدم المتداول منها إلا في حدود ضيقة، بما يحقق لي عدم الاستغراق في برامجها، وانشغالاتها، وهذا نحن نجد الناس ليلهم نهارهم، تمتد أعمالهم لساعات راحتهم، وفي إجازاتهم، بل هناك من يُعاقَب مهنياً وهو خارج دوامه إن لم يجب طلباً من «مجموعته» المهنية، أو يجيب عن سؤال لرئيسه، أو مرؤوسيه ويكون في غفوة راحة، أو خارجاً في فسحة مع أسرته، وفي وقت تناول وجباته تزدحم لحظاته بما تحمله تطبيقات برامج تواصله، وها هي أخيراً كبرى الدول الصناعية «الصين» التي تتجه إليها أعناق العالم تقنياً، وصناعةً، وضخاً للسوق العالمي بمنتجها المختلف بحجب عن مجاله الجوي مواقع كثيرة - يُحسب أنها مهمة- يتهافت عليها الناس فينا حتى صغارنا الذين لم تعد كفوفهم اللدنة تخلو في أية لحظة عن «أجهزة» ضارة بهم صحياً، ونفسياً، وثقافياً، وتفكيراً، وسلوكاً اجتماعياً، تسلب وقتهم، وتعزلهم، وتمرضهم، ناهيك عن الكبار الذين «يتمظهرون» بانفتاحهم، وحداثة ثقافتهم، وقناعة مجاراتهم للجديد، ورضاهم عن انغماسهم في مظاهر «المواكبة»، هذه التي تقف الصين المصنِّعة التي تدرك ما وراء هذا كله من انعكاسات بعيدة الأثر، مهدِّدة للصحة العقلية والنفسية والجسدية لمواطنيها الملايين، ناهيك عن منافستها لمنتجها الوطني، والحد من هيمنته بين أفرادها فتحجب عنها ما أورده الدكتور «عبدالله المقرن» من مواقع في قائمة طويلة لعل من أهمها (جميع تطبيقات جوجل، وتويتر، والفيس بوك، واليوتيوب، ونتفليكس، والوتسآب، وساوند كلاود، والوول ستريت، وياهو، ورويترز، وسلايدشير، وسوني ميوزك، واليوتيوب........» والبقية تصل إلى ستة وثلاثين موقعاً، جميعها تهدِّد الأمن الفكري والسلام النفسي، لتحفظ للناس فيها قدراتها الذهنية، وسلامتها الصحية، ووقتها من قبل وبعد، ومآربها الأخرى..
هذا إلى جانب ما يؤكد لي موقفي من هذه التقنية الحديثة هو كل ما توصل إليه الباحثون من خطورة الشاحنات المحمولة، واكتظاظ مجال الحركة بالشحنات العالية «الكهرومغناطيسية» المؤثّرة بأمراض مختلفة في صحة الأفراد، على مستويات مختلفة، ناهيك عن أجهزة «الجوال» ذاتها التي علمنا جميعاً بأن مخترع «الأيفون» قد منع أطفاله ذاتياً من استخدامها كما ورد في مقابلات عديدة، وتصريحات متناثرة عنه..
الأمر الآخر أن هناك شركات عديدة بدأت تعيد تصنيع أجهزة جوال قديمة تكتفي بإجراء «المكالمات والرسائل والتقاط الصور، والإشعارات، والتنبيهات»، قد أطلقوا عليها «الأجهزة الغبية»، حيث تقتصر عن الذكية بغير مواصفاتها، والأجدر أن تكون» الأجهزة الآمنة»، ومع أن وسمها «الغبية» إلا أنها غدت بين أيدي شخصيات اعتبارية، من القائمين بأعمال مهمة، شغلتهم الأجهزة الذكية عن مهامهم، وباتوا يرغبون في العودة إلى أمان وقتهم، وحفظ صفائهم، ولعل استخدامها سيظل يقتصر على من يدركون مخاطر التقنية الجديدة التي يتهافت عليها الناس قبل نزولها للأسواق، ويقفون صفوفاً من الفجر جوار المتاجر، ويدفعون لها مبالغ تهز ميزانياتهم، وترهق جيوبهم وإن اقتنوها بالتقسيط..
الشاهد أنني كتبت عن هذا كثيراً، وتنبأت بهذه النتائج مراراً، ولا زلت أشفق على من يستغرق في تطبيقات هاتفه، لا راحة، ولا عافية، ولا هدوء نفس، ولا صغاء ذهن، «نتائجنا» من أنفسنا، و»سلامتنا» رهن تفكيرنا، وأجيالنا بين أيدي المؤتمنين عليهم، إذ لم تعد المربيات وحدهن من ينشئهم على ما هم عليه، بل إن الأجهزة المتنقّلة بتطبيقاتها وخفايا التي معهم حذو القذة، ترافقهم حتى في مخادعهم، ولا نغفل ما ثبت عن خطورة «سماعات «البلوتوث» وما قد تسببه من أمراض خطيرة للرأس، وصغارنا وكبارنا يتباهون بها في الطرقات والأسواق وحيث يحملون أجهزتهم!!..
إن هذه الظواهر لا تنم عن تقدم، ولا وعي، ولا مواكبة.. وليست من الحضارة إلا بأسوأ ما فيها، حين يكون المصير صحة وسلامة الأفراد..
إن المرء لن يكون متأخراً عن التطور، ولا تقليدياً في مكانه لا يتقدم، ولا جاهلاً لا يواكب زمنه حين يكون أول من يقدم كأس الماء الملوث لفمه، ولقمة فاسدة لجوفه، حين يكون فمه الباب إليه، وجوفه باطنه الكلي، حيث يمزج أمراضه المختلفة وهو يقدمها بأريحية إليه.
فعودة جادة لدراسة وتقنين استخدام الأجهزة وتطبيقاتها، قبل أن تتفشى أمراضها في الكل..