إنها ثمرة لوعدٍ قطعه معالي أمين عام رابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور/ محمد عبد الكريم العيسى، وقد وعد وأوفى فها هي نتائجه أمام أعيننا وستؤتي ثمارها في القريب العاجل بإذن الله فهي كسنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء.
إن بزوغ نجم الهيئة العالمية للحقوقيين المستظلة تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي يأتي في جو عامٍ من الظلام يخيم على الأمتين العربية والإسلامية على كافة الأصعدة، وأملنا جميعاً كمحامين ورجال قانون متوقف على أن تجد هذه الهيئة المباركة الدعم الكافي لتستطيع القيام بما يجب عليها في خدمة قضايا العالم الإسلامي والعربي وعلى وجه الخصوص قضايا المملكة التي ما فتئ الأعداء يتناوبون عليها ويطلقون جام حقدهم ضدها بمناسبة ودون مناسبة.
إن الهيئة وهي ترتدي حلتها الجديدة، وثوبها الجديد العابر للقارات تستطيع أن تكون هيئة عالمية أقوى من أي هيئة أو منظمة أخرى، وذلك لأنها تنطلق من مبادئ ثابتة وراسخة، فهي المنبثقة عن رابطة العالم الإسلامي التي تؤدي عملها وفق المنهجية الوسطية والاعتدال والتسامح وقبول الآخر والحوار بين الأديان، ونشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولعل من حضر مؤتمر الرابطة الأخير في مكة يعرف ما لهذه الرابطة من ثقل مهم وكبير لدى الأوساط الإسلامية في كل الأمصار والبلدان الإسلامية، ولا شك أن هذا سيخدم عمل الهيئة وينمي من قدراتها في التحرك على شكل أوسع كونها عالمية وتقوم على قاعدة الناس إما إخوة لك في الدين أو الجنس البشري.
إن الهيئة العالمية للحقوقيين وهي تحيي ذلك الأمل الذي كنا نؤمله لسنوات طويلة ونحن ننتظر قدوم هذا النجم الذي يلتف حوله رجال العدالة والقانون من مختلف دول العالم ليرسخوا قيم العدالة والمساواة والحرية بين شعوب العالم، ستكون خطواتها ثابتة ومؤثرة حينما تستفيد من خبرات وأداء الرجال الذين قضوا سنين طويلة في العمل في الهيئة العالمية الإسلامية للمحامين، حيث إنهم اكتسبوا الخبرة الطويلة، وصار لهم باع في معرفة دوائر صنع القرار في مختلف دول العالم، فالاستفادة منهم أمر لا بد منه ولا مناص منه كونه سيشكل خطوة مهمة في بناء الهيئة العالمية باسمها الجديد وعملها المحدث كماً ونوعاً.
إن العالم بأسره يتجه نحو التجمعات التي تضمن بقاء الكل، بل صرنا في عالمٍ لا يقر للفرد بأيّ أهمية مهما بلغ مستواه أو ثروته، حيث صارت التكتلات هي المحك الذي يدور حوله العالم، فمن شركات متعددة الجنسية، إلى تجمعات سياسية واقتصادية كلها تنضوي تحت مسميات وشعارات عدة، الغاية منها جميعاً هي التوحد والاتجاه نحو صناعة مجتمعات قوية قادرة على مواجهة كافة التحديات التي تواجه البلد الواحد من تلك البلدان المنضوية تحت هذه المنظمة أو تلك، ولا شك أن العمل القانوني هو من يسير تلك القوى والتجمعات فخارطة التجمع تأتي من خلاله، وخارطة الانفصال تأتي منه، فكيف إن تجمع القانونيون والحقوقيون تحت سقفٍ واحد وتحت مظلة واحدة عالمية مقرها وسط الكرة الأرضية؟.. أترك الجواب للسادة القراء كل بحسب قناعاته وتوجهاته.
إن فرحة إنشاء الهيئة العالمية للحقوقيين لا توازيها فرحة، إلا فرحة رجل حرم من الإنجاب سنوات طويلة، ثم يفاجأ بحمل زوجته وعند مخاضها وولادتها يرزقه الله توأمين، بعد سنين الحرمان من زينة الحياة الدنيا، وولادة هذه الهيئة يمثل فرحة لا توصف لكل رجال العدالة والقانون لما لها من أهمية في جمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، والعودة بالعرب والمسلمين إلى زمن الماضي الجميل كما يقال.
إن من أكثر الصعوبات التي أعاقت العمل العربي والإسلامي للمنظمات الحقوقية العربية هي عدم الفهم الدقيق لكيفية التعامل مع الآخر، فقسم من تلك المنظمات رأت أن رمي نفسها في أحضان الغرب والتلقي منه هو منتهى أملها، متأثرة بالحضارة التي وصل الغرب إليها، متغافلة عن الإرث الحضاري العربي والإسلامي الذي كان أساساً في تقدم الغرب.. بينما يرى قسم آخر أن التعامل مع الغرب محرم شرعاً، وأنه خرق سافر لمبدأ الولاء والبراء، وأنه يخالف قواعد العروبة؛ فرأت أن التعامل مع الغرب لا يجوز بحالٍ من الأحوال.
بينما جاء ميلاد هذه الهيئة المباركة بهذا المسمى العالمي العابر للحدود والقارات متناسباً مع واقع الحال الذي نعيشه، وليعلم الجميع أن الحوار مع الآخر أمر لا مفر منه، وأن البشر يجتمعون في الإرث الإنساني، وأنه لا بد من التواصل مع الآخر دون الحاجة للارتماء بأحضانهم، فكان لا بد أن يكون ميلادها وانبثاقها وفكرتها خارجة من كواليس رابطة العالم الإسلامي الذي جعلت خدمة الإسلام والمسلمين هو غايتها المنشودة، وهدفها المقصود، فصار للتعامل مع الآخر طعماً مختلفاً ونكهة عربية إسلامية لا تشوبها رياح التغريب.
إن الأمل الذي أحيته هذه الهيئة هو أمل قديم جديد، كان ولا يزال نابتاً في فؤاد كل عربي مسلم، وخصوصاً أولئك الذين تشربوا القوانين وعلموا أن العصر يجبرنا على التعامل مع الآخر بصورة أو بأخرى، فاختصرت الهيئة بوجودها هذا الطريق، ونقلتنا إلى القوة بعد الضعف، وإلى الاكتساح بعد الانبطاح، فكانت بحق إحياءً لأملٍ دفين في النفوس والقلوب.