د. خيرية السقاف
الكاتب ذو الحس،
المندمج في بيئته، الممتزج ببشريته،
المطلع على حاجات إنسانه العديل في كل جسد،
المتأمل في اليومي من حركات كل نَفَسٍ فيها يصاعد إلى السماء، أو يذوب في الفضاء،
أو يُحبس في الصدور، أو يُطلق في عزلة،
أو يُخفى عن الأعين بدمعه المنهمر، أو بحرقته اللاهبة، أو بسلامه المطمئن،
هذا الكاتب المتجاوزة بصيرته غلافا شفيفًا، أو سميكًا يسدله إنسانه العديل في كل الأجساد على ما فيها من سعادة، أو من شقاء،
على آمالها البعيدة، والقريبة، القليلة، والمستحيلة، الممكنة، والمستثناة..
الموجوع بخيباتها المكتنزة، والعابرة، والموغلة..
ببقاياها المتشظية، والممزقة،
وما ذرته ريح الحاجة، وما طحنته رحى الفاقة،
والمبددة مع طغيان الترف..
وتلك التي تناثرت مع ضحكة، والتي فرَّت مع فرحة كبقايا العطر..
هذا الكاتب المصغي بسمعه العميق لضحكاتها، لبكائها،
لألمها، لأنينها، لبحة عطشها، وشرقة امتلائها،
لوخز جوعها، وتخمة شبعها، لآهة تعبها، وزفرة دهشتها، وشهقة اطمئنانها..
أليس هو الصادق الأمين حين يلتقط من خفاياها التي، ومن قليلها الذي..
فيبسط جناحي حروفه ليدعو..
ويطلق مدى صوتها ليبتهل:
اللهم اقض حاجة النفوس العديلة، في الأجساد الشبيهة،
اللهم ارزقها صفاء القلوب، ومكنها من تمام الإيمان، وثبت فيها يقينها بك، وأعنها على الطريق المستقيم، ولا تفتنها في دينها، ولا تفرقها على ضلال، ولا تجمعها على فتنة،
اللهم اهد هذه النفوس إلى من يعينها على دنياها بدينها، وعلى حاجتها بصدق سعيها، وعلى رضاك عنها، برحمتك بها..
اللهم إن هذه النفوس خلقك، وتعلم من خلقك ما لا نعلمه من ضعف يعرضها، ووهن يلم بها، ورغائب تغرر تستهويها، ودنيا تجذبها إليها،
اللهم فإن مآلها إليك، فلا تجعله على غير رضاك عنها،
أنت الله، وكل نفس في جسد هي خلقك، وقد آمَنَتْ بك، فلا تجعل همها دنياها، ولا تبلغها خاتمتها إلا وأنت راض عنها ومرضيها..
هذه النفوس العديلة، ونفسي بين يديك ربي فلا تكلنا إليها..