حاورها - محمد المرزوقي:
عبر رحلة «واقعية»، بمجاديف «الأمومة»، تجد نفسك مبحراً في ثلاث رحلات، فيها الكثير من أحاديث أشرعة الحياة، في لجج من التحديات، بعضها يموج ببعض، التي رصدت خلالها الأكاديمية نوال الناشي، الكثير من الحكايات، عبر فن (المذكرات)، التي قدمتها بأسلوب سهل ممتع، هدفت من خلاله إلى تقديم رسالة (حقيقية)، فيما دونته في كتابها: «سعود.. رحلة كفاح»، الصادر عن دار المفردات 2019، واصفة ما قدمته عبر هذه المحطات، قائلة: «انتقيت ما رأيته مناسباً للقراء، من بين الكثير من المذكرات التي كتبتها خلال رحلاتي العلاجية لابني سعود»، واصفة أجواء جمع مذكرات هذا الإصدار، لإخراجها في كتاب، بقولها: «الكتابة من العادات شبه اليومية في حياتي، أو الأسبوعية، لكل ما أجده مؤثّراً يستحق الكتابة عنه، وخاصة فيما يلامس حياتي، وبما أني عشتها تجربة حقيقية مع سعود عبر محطات واقعية، ومؤثّرة أيضاً، فيما مررت به أنا وأسرتي في هذه الرحلة، فقد رأيت أن أوصل رسالة (كفاح)، عبر رحلة سعود، لأهداف ضمنتها نصوص الكتاب»، واصفة العديد من أجواء هذا الإصدار، عبر هذا الحوار، لـ«المجلة الثقافية»:
* ما الرسالة التي كانت هدفاً لتقديمها للقراء من خلال نصوص هذه الإصدار؟
- قدمت من النصوص ما يحقق الهدف الذي من أجله أخرجت هذا الكتاب، وما يوصل الرسالة التي حرصت على تقديمها إلى الجمهور عامة، وإلى أصحاب القرار في الجهات المعنية بهذه الشريحة من فلذات أكبادنا، إضافة إلى الأسر التي لديها أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب ما قدمته عبر هذه المذكرات من بث الوعي المجتمعي تجاه هذه الفئة بأسلوب «أدبي» بسيط، عبر تجربتي الحقيقية مع سعود، وللتعريف بما يحتاجونه من خدمات، وما تتطلبه تلك الخدمات من أنظمة تعزِّز خدمة هذه الفئة في البيت وفي التنقّل وفي المؤسسات المختلفة بما فيها الأماكن العامة، وما يحتاجون إليه من آليات لدمجهم بأفضل الصور في المجتمع من حولهم، لذا فكتابي ينطلق من رؤية الحقوق لهذه الفئة، بعيدا عن التعامل معهم من منظور الشفقة، أو الصدقة.
* نوال الناشي، سعود؛ أيكما البطل في هذا الإصدار، أم أنها بطولة مشتركة في الرحلة والمعاناة والنجاح أيضاً؟
- سعود «ملهمي»، على المستوى الواقعي، الذي جعل مني امرأة أخرى، أما مختلفة، أما تدرجت معه من رحلة إلى أخرى، فمن رجلة إلى أخرى، وجدت في نفسي قدرات على تجاوز معاناة كانت تحدياتها (مركبة)، وجدت نفسي معها نوال (أخرى)، فالبطولة لسعود، بوصفها قدرته على مواجهة إعاقته منذ سنه المبكرة، وهي البطولة ذاتها التي أردت أن أنسجها لكل أب ولكل أم، التي أردت أن أقول أن لدى الكثير من هذه الفئة، ما يؤهلهم للخروج من النظرة إليهم بمجرد الشفقة والعطف والتعاطف، ما يكرّس لدى من حولهم بقصد أو بدون قصد، أن هناك أسورا تحطي بهذه الفئة من العجز، وعدم مقدرتهم على الاندماج مع المجتمع من حولهم، لذلك وجدنا من حطم ببطولته هذه الصورة النمطية الخاطئة، يؤدي العديد من الوظائف والأعمال بكل جدية وتفاعل، لذلك نجد منهم من يرفض نظرة الشفقة التي يحاول ممن حولهم أن يلبسهم إياها، وأن يؤطر هممهم داخل مفهوم خاطئ عن الإعاقة، وعن قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك نجد البطولة لديهم لها العديد من المؤشرات التي يأتي في مقدمتها: الرضا بقضاء الله وقدره؛ تأهيل الذات؛ ممارسة وظائف حياتية شأنه شأن الآخرين؛ الإتقان فيم يؤديه من وظائف.
* في نصوصك «لغة» كانت رسائلك تحذِّر منها، حدثينا عن هذه اللغة؟
- أردت أن أوصل ضمن الرسائل التي سعيت إلى إيصالها في هذا الإصدار، إلى طمس لغة الشفقة، والعطف الذي يشعر بالنقص، والمفردات والجمل الدارجة التي دائماً ما تذكر هذه الفئة بالعجز، وتكرِّس لديهم الضعف، وعدم القدرة، فهذه اللغة لا بد أن تختفي في المجتمع تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن اللغة أولى خطوات الدعم والتعزيز والعلاج، ما يفترض إحلال إيجابية اللغة، بدلاً مما لا يزال سائداً في تواصلنا مع هذه الفئة من مجتمعنا، التي وصلنا من الوعي بها، وبحقوقهم علينا ما يفترض فينا التواصل معهم بما يزيد من اندماجهم معنا في حياتنا اليومية، بوصفهم أصحاب همم، وعزيمة، وقدرات خاصة بهم أيضاً.
* في نص «سعود غريب»، اختتمتها بمقولة البروفيسور «هوسلو»: اهتمي بتعليم سعود لربما اخترع شيئاً لبلاده؛ التي وضعتها «نصب عينيك»، لتضعيها أمام أعين القراء، فبم تعلقين؟
- هذه العبارة (حقيقية)، ولكونها كذلك، فقد شعرت أنها أخرجتني من تحت ركام المعاناة، والغربة التي عشتها في ألمانيا، لتشخيص الخارطة الإدراكية لسعود، بتكلفة 70000 ريال، ما جعل من كل هذه المعاناة، تتبخّر أمام هذه المقولة، التي حرصت على أن تصل إلى كل أم وأب ممن ليدهم أبناء من أصحاب الهمم، لأنها أعادت إليّ الكثير من الإصرار، ومتابعة مشوار الرحلة، بكل ثقة في الله، وإصرار على النجاح في هذه الرحلة العلاجية.
* نطالع في نص «الأمل»، أن الخمس الخطوات، كانت بمثابة الخمس مراحل! فكيف تصفين تلك اللحظات اليوم، بعد إصدارك هذا الكتاب؟
- حتى هذه اللحظة التي تسألني فيها، وبعد كل تفاصيل الترحال من بلد إلى آخر، لا يمكن أن أجد ما يصف مشاعري عندما كنت أندهش للخمس الخطوات الأولى التي خطاها سعود معتمداً على نفسه، ما جعل من معاناتي تتحول إلى مشهد ضئيل جداً، من الفرحة بهذه الخطوات، التي أقدمها في تعزيز أسر ذوي الهمم والعزائم من فلذات أكبادهم.
* بعد هذه التجربة الحقيقة والمعرفية ومع الكتابة أيضاً، ما الذي تعنيه لك هذه الكلمات؟
- المعاناة: مخاض لإنجاز جديد!
الغربة: أكاديمية تعلّمت فيها الكثير!
الإقرار بالحقيقة: حقيقة!
الرفقة: تجعل السكون يتحدث من حولك!
* لما حققه إصدارك من نجاح، فماذا عن الرغبة في إصدار قادم تفكرين فيه تخصصينه لأصحاب الهمم؟
- لدي الكثير من الأفكار الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة (أصحاب الهمم)، الذين نجدهم حتى في ميادين التطوّع، متفاعلين مؤمنين بقضاء الله واثقين في قدراتهم، ومنها ما هو أوراق بحثية، ومنها مقالية، إلا أنني أعد خلال هذه الفترة لإصدار من المتوقّع أن يحمل عنوان «مشاهد»، الذي سيجد فيه القارئ إضافة تعكس حرصي على تقديم ما يمثّلني، ويضيف إلى ذهنية القارئ كل جديد، بعمق، ورؤية هادفة.