الثقافية - محمد هليل الرويلي:
في هذا العدد تستضيف «الثقافية» القاص والروائي السوري «محمد فتحي المقداد» المولود في العام 1964م, محافظة بُصرى الشام المتاخمة للحدود الأردنية. يعمل «المقداد» منذ ثلاثين عامًا لليوم بمهنة (حلاق رجالي), ويصف حاليًا نفسه «باللاجئ الأدبي». كتب أشهر رواياته «الطريق إلى الزعتري», وقال ليلة إشهارها في العاصمة عمان: رواية الزعتري مليئة بالخوف والقتل والمشاعر التي تصف جانبًا من المعاناة التي عاشها الشعب السوري بنتائجها, وضجيج للشعب المكلوم, وأنينه المتواري خلف أسوار القهر ودروبه المزروعة خوفًا ورعبًا.
أما بغداد التي شهدت قبل ذلك أول إنتاجه الأدبي قال عنها: كما شهدت بغداد بدايات مولدي الأدبي البكر مع النشر «شاهد على العتمة»، الذي مازجت فيه ما بين الخاطرة والقصة القصيرة بأسلوب أدبي ممتع, ثم أصدرت روايتي الأولى «دوامة الأوغاد», وبعدها كان «الطريق إلى الزعتري», وما صاحبها من مخاض عسير على مدار ثلاث سنوات.
أما كتاب «مقالات ملفقة» فعبارة عن مقالات أدبية أجمع الكتاب والنقاد على أنها أسلوب أدبي جديد غير مسبوق بهذا الشكل. ومؤخراً انتهيت من إنجاز روايتي «فوق الأرض», التي لا تزال مخطوطة إلى جانب ثلاث روايات كانت بداياتي الروائية هن على التوالي «بين بوابتين وتراجانا ودع الأزهار تتفتح».
ويتابع: وفي مجال القصة القصيرة فقد أنجزت مجموعتين «زوايا دائرية ورؤوس مدببة», وفي القصة القصيرة جداً (ق. ق. ج) أنجزت كذلك مجموعتين هما «سراب الشاخصات و قيل و قال», وفي مجال الخواطر أنجزت «أقوال غير مأثورة وبلا مقدمات» كما أصدرت مجموعة أبحاث تراثية «رقص السنابل والوجيز في الأمثال الحورانية والكلمات المنقرضة من اللهجة الحورانية», وكتاب «جدي المقداد» حياة الصحابي الجليل المقداد بن عمر رضي الله عنه, وحاليًا أقوم بالإعداد لمشاريع روائية قادمة ما زالت في طور البدايات.
القارئ شريك دفاع أو عدو الكاتب
نافيًا أن تتولد كتابة بلا فكرة تتكئ على قضية يجسدها أو يعيش فيها الكاتب وقال: ربما تتخذ منها عكازًا لبلوغ مُرادها إن تعسّرت طريقها. فكلّ نص أدبيّ يحمل رسالة كاتبه، كما أنه رسالة بحدّ ذاته للقرّاء والمتابعين المتفاوتين في فهم ما وراء المقروء؛ ومن هنا يأتي تقييمهم لجودة أو رداءة النصّ، وهم على هذه الحالة قد دخلوا في شراكة معلنة في كثير من جوانبها مع الكاتب بالدفاع أو معاداة المادة المقروءة. فالفكرة عندما تراود ذهن الكاتب، وتحتلّ فضاء مكانيّا وزمانيّا تبدأ تنشر أذرعتها وأشرعتها بإلحاح وتحريق مستمرّ للخروج من رحم دماغه إلى فضاء رحب يتجسّد في أحاديث ومسامرات المجالس، وتستوطن صفحات الورق إلى الأبد ما دامت هناك حياة. مؤكدًا على أن الواقع هو المناخ الخصب الذي يستقي منه أي كاتب أفكاره, بينما الخيال يأتي من فنيات وتقنيات الكاتب لعمل مزاوجة وملاقحة بينهما، ليكون منتجه الأدبي مقبولاً لذائقة القراء وفي بعض الحالات ما كان خيالاً يتحول إلى واقع، كفكرة الصعود إلى القمر وهذا ما نعرفه في مجال الخيال العلمي.
مُسْتقر أرواح تطمئن في رحاب كتاب!
وأوضح «مقداد» أن حنين القراءة يستعر في قلبه إذا ما انقطع عن الكتاب لفترة حتى لو كانت قصيرة، بوصف القراءة لديه ليست هواية أو ترفًا، بل حاجة أساسية كالهواء والماء والطعام، وغذاء للعقل ومستقرّ للروح تطمئن في رحاب كتاب تهفو نفسه لقراءته، فتتوسع مداركه لأمور ربّما تكون غائبة عنه ذهنيًا أو حاضرة في جانب من جوانبها وزاد: الكتابة تنطلق من مخزونات قرائية مختزنة في مستودعات الذاكرة، تستحضرها حين يستدعي الأمر، والعمل على الاستعانة بها كشاهد أو دليل أو العمل على تطويرها بقالب جديد تمام. وفي تجربتي كان لقصص جدتي الأثر الكبير في حبّي للقصص. كان أول كتاب اشتريته في حياتي كتاب «دليلة والزيبق», وفيه من التشويق بمغامرات علي الزيبق. كما كان أول رواية قرأتها في حياتي «عيادة في الريف», للدكتور عبدالسلام العجيلي، إلى أن وصلت ساحات نحيب محفوظ، وغسان كنفاني وحنا مينة، إضافة إلى ما كان مقررًا دراسيًا في الصّف التاسع رواية «الموسيقي الأعمى», لديستوفيسكي, والصّف العاشر رواية «تاجر البندقية», لوليم شكسبير وهكذا وصولًا إلى ماركيز وكافكا وخيميائي باولو كويلو.. والكثير من الروايات العربية والعالمية المترجمة.
قطار الأدب يسير وما زال النُّقاد ينتظرون في محطّة الانطلاق
وأشار إلى أن إبداعًا يوجد بلا حدود .. بحاجة لنقد بلا حدود, في معرض حديثه حول علاقة الناقد بالمبدع، مؤكدًا على أن الهوة تتسع في بعض الأحيان تتّسع بين الأدب والنّاقد وتابع: إذا كانا على طرفي نقيض، فالمزاج والأديولوجيا يُعزى لهما حدوث الفجوة الواسعة، الأمر الذي تنعكس آثاره على مسيرة الأدب بشكل عام. وحينما يُقصّر النّقاد عن الاضطلاع بواجبهم عن مواكبة الحالة الأدبية، قطار الأدب يسير والنقد ما زال في محطّة الانطلاق ينتظر. النقد الحقيقي يفتح آفاق الإبداع على فضاءات رحبة من التأمّل والتفكير، لتنتج نصوصًا راقية بذائقتها الفكرية المستندة إلى تراث ومخزون فكريّ ضارب بأطنابه في أعماق ووجدان الكاتب. بكلّ تأكيد جميع الإبداعات هي بشرية الصبغة تصيب وتخطئ تسمو وتهبط تتلألأ وتخفت, هذه حال كل مدارات التفكير البشري. فالأديب والناقد تنسحب عليهم مؤثّرات يوميّاتهم المعاشيّة؛ فتصطبغ مخرجات تفكيرهم بملوّنات معايشاتهم، ليس هناك إنسان مبدع في جميع شؤونه الفكرية، إذًا الأمور تتقلب ما بين صعود وهبوط.
وفي مجمل حديثه حول المشهد السردي السعودي أوضح الروائي السوري «محمد مقداد» أن الساحة الثقافية السعودية ليست بيداء معزولة عن ساحتها وواقعها العربي فلها خصوصيتها المحلية، ولا تستطيع التفلّت من همّها العربي، وهذا ما رأيته في رواية (شقة الحرية) و(العصفورية) و(أبو شلاخ البرمائي) للدكتور غازي القصيبيي، وكذلك في روايات تركي الحمد, كذلك تجربة الجيل الثاني في ميادين القصة القصيرة والرواية. هناك أسماء لامعة أذكر منها على سبيل المثال إبراهيم الخضير (العودة إلى الأيام الأولى)، (رحيل اليمامة), ويوسف المحيميد «الحمام لا يطير في بريدة, القارورة», وعبدالله بن بخيت «شارع العطايف», وعبدالله ثابت «الإرهابي 20», وفالح الصغير «يمرون بالظهران».. وغيرهم, وللمتأمل في هذه العناوين تثبت أن تشابكاتها مع محيطها العربي والعالمي جميعها تشكل مشهدًا ثقافياً وضيئًا يتكامل ويتفاعل مع مثيله خارج الجزيرة العربية.
الشلليّة أبرز هموم مُثقفي العرب و«غمْط الدُّور» جعلهم ينكفئون
كما أوضح في ختام حديثه أن هموم الثقافة والمثقفين متقاربة في الساحة العربية، إذ تتصدر الشلليّة المشهد الثقافي المستند إلى (أديولوجيا), واحدة أو مصالح مشتركة، فتحاول إبعاد وتهميش المخالفين لتوجهاتها. كذلك هناك ضعف من جانب وزارات الثقافة المعنية بدعم إبداعات الكتاب، إضافة إلى أن دُور النّشر العربية معظمها جعلت هدفها الأول والأخير الذي تسعى إليه «الهدف المادي». وكثيرًا ما تغمط حق الكاتب وتُضيّع جهوده, ما سبب إحباطه وانكفاءه على نفسه.