د. أحمد الفراج
كتبت في المقال السابق أن عضوة مجلس النواب الأمريكي، الهان عمر، ركبت أمواج السياسة دون أن تتلقى التدريب الكافي، ومشت فوق الأشواك دون أن تأخذ الاحتياطات اللازمة، فهي استمرأت النجومية والأضواء، ونسيت أن هناك في أمريكا حدودًا للحرية، وكذلك هناك محرمات، لا يمكن الاقتراب منها، وتأتي في أولوية هذه المحرمات كل شأن يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، كما يأتي ضمنها الحديث سلبًا عن إسرائيل ومنظمة ايباك العتيدة، التي قال يوما عنها الصحفي البارز، بات بوكانن، إنها تحتل مبنى الكابيتول (الكونجرس)، بعد ما أدرك أنه لا يمكن أن تنجح مسيرته السياسية، كما أن تاريخ الصحفية من أصل عربي، هيلين توماس، تم مسحه بسرعة فائقة، لأنها قررت انتقاد إسرائيل قبل تقاعدها، ولم يشفع لها كل تاريخها الإعلامي الطويل والمميز، ومناكفاتها لرؤساء كبار، من شاكلة جون كينيدي وليندون جانسون وريتشاد نيكسون ورونالد ريجان.
من سوء حظ الهان عمر أنها ارتكبت أخطر المحرمات، وتحدثت عن ايباك وإسرائيل، ولا شك أنها وقعت ضحية للوبيات خصوم أمريكا، إيران وتركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان، وهي مراكز النفوذ، التي ربما ساعدتها على الفوز بمقعد في مجلس النواب، وهذا فتح عليها أبواب الجحيم، ولا يجب أن نغفل سذاجتها، فمنذ أن بزغ نجمها، وهي لا تتوقف عن الحديث في كل شأن، وكأنها السياسي، الذي تنتظره أمريكا لإنقاذها، وربما أنها حقا تؤمن بذلك، ومن كثر حديثه، يكثر سقطه، وعندما فعلت ذلك، أيقظت مارد الإعلام الأمريكي، وهو ذات الإعلام الذي زفّها إلى النجومية، وزاد على ذلك أن الرئيس ترمب يرتبط بعلاقة وثيقة مع ايباك، التي ترى أنه طفلها السياسي المدلل، فقد حقق لإسرائيل ما فشل في تحقيقه معظم الرؤساء الذين سبقوه.
ترمب يعشق المناكفات، ويستمتع بالهجوم على خصومه، وعلى الديمقراطيين تحديدا، ولذا فقد غرد ضد الهان عمر، ونشر لها مقطعا، تحدثت فيه عن أحداث سيتمبر بطريقة مستفزة، والحديث عن تلك الحادثة بتلك الطريقة، استفز معظم الأمريكيين، بما فيهم المعتدلين، لأن ذلك الحادث طعن هيبة أمريكا بالصميم، إذ هي المرة الأولى، التي تتم فيه مهاجمة أمريكا في عقر دارها، وضرب ما يعتبر من أهم رموزها، ولذا جرت العادة أن يتحدث الساسة عن تلك الحادثة بألم، وهو ما لم تفعله الهان، التي تحدثت عنها بما يشبه التقليل من شأن الحدث، وحينها أصبحت هدفا للهجوم من كل صوب، لأنها ظهرت كمن يقلب ظهر المجن للدولة التي احتوتها وآوتها وجمعت شملها بأسرتها، ومن ثم صنعت منها نجمًا سياسيًّا يحصد مقعدا في مجلس النواب، وسنواصل الحديث.