د. خيرية السقاف
من تتسع حدقتا عينيه بحثا عن صغائر ما في الناس، لا يرى كبائر ما فيه..
والعكس تماما في قانون الطبيعة..
لا يمكن أن يوظَّف مكوَّنٌ ما، أو عضو، أو جزء، أو حاسة بشرية في أمر، ويتفرغ لأمر آخر..
فكيف حين يكون صاحب الحدقتين المتسعتين المسلطتين على الآخرين أن يتمكن من رؤية نواقصه الكبيرة، وهو يوظف أقصى اتساع لحدقتيه لصغائر عارضة عن الآخر فيراها سالبة وإن لم تكن كذلك؟!..
أو أن يتوهم وجود ما يقيم عليه حكمه السالب عن هذا الآخر لمجرد أنه لم يمتزج معهم،
أو لأنه وجد فيهم ميزة ولا يرغب في ظهورها، أو لمجرد تنافر الكيمياء بينهما؟!..
ثم إن كان ذو الحدقتين المتسعتين هذا مسؤولا فكيف سيتمكن من الحركة المتاحة، في مجال عمله كلُّ المتنفسين هواء هذه الأجواء وقد جعلها مواقع تدقيق، وتضييق، ورقابة، وتنمر، وتنافر، ومشكلات متعددة، ومواقف خلاف متجددة، وإنكار لأعمالهم، وتغاضي عن قدراتهم، بالتقاط ما هفا، وما عفا، وما هو عابر، والقليل غير المقصود، وغير ذي بال، وبقايا كلمة خرجت عفو خاطر، وزلة يسيرة اعترت أداء عمل عن عدم معرفة، أو جهل أحدهم بأمر دون قصد لقصور في خبرة، أو ما يعترض كل إنسان، بما فيه هو ذاته، عن حقيقة مطلقة تقول: «إن الكمال لله وحده؟»!..
وكيف إن كان صاحب الحدقتين المتسلطتين على من حوله مسؤولا ذاته عنهم، فما سيفعل بمستجدي العمل معه؟، الواقعين في «فخ» عدم راحته لوجودهم؟!، ويكون هو قد كوَّن له فريقا من ذوي الحدقات المتسعة تلتقط له شاردتهم، وواردتهم وهم في غفلة، أو على معرفة حيث يكون قد وضع لهم العراقيل، وأقام بينه وبينهم العازل من البدء؟!..
وكيف يكون حال من يجده هذا المسؤول يتفوق عنه في جانب ما؟!، فبدل أن يحتويه، ويحفزه يذهب إلى التسلط عليه بكل جزيئات حدقتيه، بل بسمعه عن «جيشه» الذي كوَّنه، لمصلحة متبادلة، أو لخشية منه، أو لرغبة في التخلص ممن حلَّ بينهم، ويرغبون في التخلص منه؟!..
هذه النماذج من ذوي الحدقات المتسعة المتسلطة لمتنمرين في أعمالهم كثر منتشرون، تضيق بهم الصدور، وتتغير عنهم الحقائق، وتفسد بهم بيئات العمل..
هم كالماء الذي يجري تحت السطوح، وكالخشاش في الثقوب لا يُرى..
وكالرماد يذر، وجزيئات الغبار، يعكرون لكنهم لا يُرون، إلا بنتائج أفعالهم، وهي نوع من الفساد الذي يعاقب عليه صاحبه، في أي موقع، وأية صفة وظيفية..
و«هيئة مكافحة الفساد» في زمن مكافحة الفساد بكل أنماطه، وأساليبه، وأشكاله، وحيث يكون، وممن يكون هي التي تعيد فتدير اتجاه حدقات عيون هذا النمط من المسؤولين إليهم، وإلى من معهم على شاكلتهم، ليتمكنوا من أن يروا صغائرهم، وكبير كثيرهم، ويكتشفوا من ثم أنها مظلمة داكنة، موبوءة لكنهم يغطونها بسلطة مسؤوليتهم، وهي التي تفعل عدلا إن لم تكافحه جهات أعمالهم بأمانة، وتجرد، وحزم!!..
ذلك لأن هذا النموذج ينتشر في بيئات العمل، من عند بوابة متجر لبيع الورق، إلى أروقة مؤسسات التعليم حيث يفترض النور، والصفاء، والرقي، والصدق في بيئة عالية الرقي!!..
ولأنهم منتشرون، فإن فساد الحدقات في الرؤوس لن يقضى عليه إلا بعصا العقاب..
هذه «العصا» وحدها سوف تضرب بقوة فتتسع الحدقات المتسلطة على الآخرين في الرؤوس، ومن ثم تتحقق الرؤية العكسية لأصحابها فيشاهدون أنفسهم على حقيقتها، ويقفون على ما فيهم من النقص كبيرا، وصغيرا..
هذه العصا تصوب مسار العيون في رؤوس المتنمرين..
فلعلهم يتطهرون !!....