سمر المقرن
كثيراً ما يتكرّر السؤال عندما تنتشر الأشياء السلبية بين الناس، ولا تنتشر بنفس الحجم الأشياء الإيجابية، لماذا تنتشر؟
فلو أن معلماً أساء التعامل مع أحد طلابه سوف ينتشر المقطع بشكل جنوني لدرجة أنه قد يصل للشخص الواحد أكثر من مئة مرة ما بين الواتسأب وبقية تطبيقات التواصل الاجتماعي، ولو نشرت هذا المقطع في تويتر فسوف يحصل على آلاف الردود وإعادة التغريد وتفاعل كبير بين الناس، بينما لو نشرت مقطعاً إيجابياً لمعلم مع طلابه فلن يأخذ الزخم الذي حصل عليه المقطع الأول، ولن يهتم له الناس، وسوف تجد أن التفاعل قليل جداً ولا يُقارن بالتفاعل مع الأول. ولو أن كاتباً مثلاً كتب رأياً مخالفاً للسياق الاجتماعي ستجد أن المقال يتكاثر بين الناس، بينما نفس الكاتب قد يكتب يومياً أو أسبوعياً آراء مهمة وفاعلة في المجتمع ولا يلتفت له هؤلاء الناس، ولن يهتموا بما كتب، بل إن كل جهوده الفكرية يحاول -بعضهم- نسفها وتدميرها فقط لأن رأياً واحداً عرضه لا يعجبهم!
هذه الصفة المجتمعية برأيي تشبه تماماً وجهي الخير والشر، بطبيعة الحال ليست بالخير المطلق ولا الشر المطلق، إنما بصورة نسبية لتأرجح الكفتين، وهذه الأمور تُثبت بأن الخير قد يكون مجرّد سلوكيات شكلية لبعض البشر، وأن الشر متأصل في داخلهم. وقد يكون انتشار الشر باسم الخير ورفضاً له. فكما ذكرت أن الحالة نسبية وتختلف من وضع لآخر، إنما في الحالتين تشابه كبير في نشر السلبية أو «الشر»، وهنا تبرز حالة الوعي واليقظة فتتغيّر الأمور وتختلف ردود الأفعال، فيتم إنقاذ الفكر من الانسياق خلف كل عوامل الشر ومسبباته ونشره، أن يتضاد بالعقل الناقد الذي يصعب عليه الانقياد خلف أدوات الشر، وبذلك ترتفع درجة الوعي.
الشر رفع أسهم مروّجيه، وأصبح منهم من هو في عالم المشاهير، لأنه امتطى صهوة الشر، ورفع خطابه عالياً باسم الخير، مع أن الفاحص لمثل هذه الخطابات يلحظ تماماً أنها ممهورة بدوافع الشر. ولو أن مثل هذه المادة يقابلها الخير فلن تنتشر ولن تكون ذات محتوى يحترمه الناس.
الخير ليس سلوكاً يظهر ليراه الناس، ولا كلمة تُقال ليرددها الناس. الخير هو فكر عميق يترجمه الكلام وتؤصّله السلوكيات.