عروبة المنيف
لم نصحُ بعد من صدمة هجمات مساجد نيوزلندا ولم تجف بعد دماء القتلى من تلك الهجمات لنصدم من جديد بهجمات إرهابية جديدة.. هجوم إرهابي آخر على عدة كنائس وفنادق في سيرلانكا وفي مناسبة دينية «عيد الفصح المجيد»، ليحصد ذلك الهجوم الإرهابي ما يزيد عن مائتين وخمسين قتيلاً وخمسمائة جريح!.. سأركز في هذا المقال على استهداف الأماكن الدينية، على الرغم من أن تفجير سيرلانكا كان يهدف إلى زعزعة الأمن في البلد، لأنه استهدف كنائس وفنادق وغيرها من أماكن عامه.
أيّ دين هذا الذي يدعو لقتل معتنقي دين آخر؟.. يمارسون طقوس عباداتهم بسلام في أماكن مقدسة لديهم؟.. أيّ تعاليم ومعتقدات تلك التي تحرض وتشحن معتنقي دين على معتنقي دين آخر؟.. أيّ إنسانية تلك التي تقتل بدم بارد مخالفيها في الدين والمعتقد؟.
وقفت مندهشة أمام الشاشة وأنا أتابع خبر التفجيرات! فكرت في العقلية التي نفذتها، في البرامج التي تلقاها أولئك الإرهابيون منفذو التفجيرات وساهمت بشحنهم في كره الآخر المختلف عن دينهم ومعتقدهم إلى الدرجة التي يتم بها تصفية ذلك الآخر المختلف عن وجه الأرض، بل والتضحية بالنفس في سبيل ذلك المعتقد.
تساءلت في تلك اللحظة، من منا يملك الحقيقة كاملة؟.. من منا يضمن دخول الجنة؟.. هل هو المسلم أم المسيحي أم البوذي أم اليهودي أم الزرداشي أم، أم، وأم...؟. هل أبواب الجنة مشرعة لشخص دون آخر؟ وإن كانت كذلك، ما ذنب معتنقي الدين الآخر حتى تتم تصفيتهم وإنهاؤهم من على وجه الخليقة؟.. هل أنت أيها الإرهابي المتعصب اخترت ديانتك؟. عندما ولدت وتمت تسميتك بديانة معينة؟.. ولد بنفس اللحظة في العالم أطفال آخرون تمت تسميتهم بديانة مختلفة عن ديانتك، هي ديانة آبائهم وأمهاتهم، لم يكن لديهم الخيار ليكونوا مسيحيين أو يهوديين أو مسلمين أو هندوساً.. أو، أو.. ذلك المسيحي الذي قضى نحبه وجرح بسببك وهو يحضر القداس في الكنيسة التي فجرتها لم يختر مسيحيته لتأتي أنت وتعاقبه على دينه أو معتقده وتصفيه بتلك الهمجية.. حتى لو فرضنا جدلاً أنه اختار ديانته، هو شأنه وليس شأنك، هي علاقته مع خالقه {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
كلنا ننتمي للإنسانية، إلى متى تستمر تلك الهويات القاتلة؟.. إن الـ(أنا) المستحكمة بالنفس هي من تتسمى وتعرف نفسها بالهوية سواء الدينية أو العرقية أو القومية أو غيرها من تصنيفات عنصرية!.. كلنا ننتمي لآدم أبو البشر وحواء أمهم.. إن تلك التصنيفات والمزايدة عليها هي التي تعزز العصبية الدينية وغيرها من عصبيات مقيتة.
لنا أن نتخيل أن هناك في العالم ما يزيد عن 4200 ديانة ومعتقد، ومئات الآلاف من الطوائف، وكل فريق يدعي أن ديانته هي الصحيحة وغيرها من أديان هي محرفة!.. وعندما يتأصل التعصب بالإنسان وتستحكم أناه يحسب أنه هو مركز الكون وهو الذي يملك الحقيقة كاملة وهو على صواب وغيره ضال، يبدأ بتدمير نفسه قبل أن يدمر ما حوله.
الكون موجود منذ أكثر من أربعة عشر مليون سنة، هو غير مرتبط بك أيها الإرهابي، الكون سيستمر، فأنت لست مركزاً له لتطلق الأحكام على ما هو الدين الكامل والمعتقد الصحيح.
أنت لست سر وجود الكون، إن سر الوجود هي مشيئة ربّ الكون، ربّ جميع الأديان، ولو شاء الله لجعل جميع البشر يتبعون ديناً واحداً.. الأرض خلقت هكذا، وستبقى هكذا بهذا التنوع والاختلاف وبمشيئة ربّ الكون.