د. خيرية السقاف
أهي الأيام تركض بنا؟ أم نحن الذين نفعل بها؟!
حتى كأنَّ «شعبان» الذي مضى ماثلاً بين عيوننا بتفاصيل ثوانيه، ولحظات «تكَّات» بندول ساعاته التي مرت..
تلك الأريكة صامتة تعدُّ كم مرة احتلها إنسان، وتحصد وزن لحمه، وعظمه، وتلك الشاشة تحفظ بصمات الحدقات، ولا تكاد تفلت منها طرفة عين، و»جدران» الحجرات، والممرات، ومقابض الأبواب، بل مفاتيحها تحفظ كل همهمة صوت، وزفرة نفَس، وآهة تعب، وضحكة فرح، ولمسة سطح، ونظرة عين، وصوت صدى، مما مر بها..
الكيانات كلها، ستائر النوافذ، مفارش الأرض، أغطية الأواني، الطاولات، حتى بقايا الزهور في أوانيها تشهد بالمرور الخاطف للزمن، أو تراه يشهد بسكونها، وجمودها، وقدرتها على الثبات؟..
الزمن يتحرك أو نحن الذين نفعل؟!.. ذلك لأن الأشياء تشهد لنا، وعلينا، لكنها البتة لا تقول شيئًا عنها، ولا عن الزمن، فنحن الذين نملؤه، أو نُفرِغه من محتواه، وكذلك محتواها، وهيئتنا وهيئاتها، أما الزمن فهو الذي نرسمه، نلونه، نملؤه فيحمل، أو نجعله باهتًا، فارغًا فيمضي..
أهو حقًّا يمضي؟ وكيف؟! أين قدماه؟ وكيف هي عيناه؟ وعلى أية هيئة تفاصيله؟..
ولماذا لا يخبرنا كما نخبر بعضنا حين نكون على أهبة مغادرة حيِّز من مكان؟ ونرحب بحضورنا حين نلقي على الذين فيه السلام؟..
نحن نفعل ذلك، إلا في لحظة الانطفاء التي تباغتنا، حتى إذا خلا منا المكان، أدرك من بقي كم من الزمن مضى فيحصيه، وكيف من الأثر الذي تركنا فيستلهمه، ويحكيه!!..
هو ذا الزمن الذي ينسل من بين أيدينا هلاميًّا لا نلمسه، خفيًّا لا ندركه، كيانًا ليس من علمنا أن نعرفه..
أيام في مساره، ويطرق بابنا رمضان، نستلهم فيه الذي كان، ونستشرف فيه آمالاً ربما نشهدها واقعًا، وربما يحكي عنها الشاهدون في الطريق.. لحظتها سيعرفون زمننا الذي مضينا وهو في الخاطر سؤال لإجابة لم نشهدها.