د. خيرية السقاف
هؤلاء الأبناء في كل بيت بعدد سكان البلاد، استقبلوا أمس الأول أياماً لأشهر قادمة لا دراسة فيها فلا مواعيد محدَّدة للنوم، ولا للاستيقاظ!..
لا منتَظَر فيها فينهضون له فجراً، ولا واجبات مطلوبة فيسهرون لها درساً،
أي لا مساءلة فيتأهبون بأوقاتهم..
أيام كثيرة أمامهم بعدد لياليها، وساعاتها، فراغ يحيط بصداه، ويجذب بمغرياته، ويشغل بملهماته!!..
لو جلس الكبار في البيوت على اختلاف ثقافتهم، وأساليب تربيتهم، ومنهج توجيههم، ومدى تفكيرهم في أهمية هذا الوقت الممتد لأبنائهم، والتفوا حول الاحتياج الحقيقي لهؤلاء الأبناء فما القائمة الأولية في ظنهم التي سيجدونها تدور بتفاصيل الحاجة الملحة لهم، وتقوم عليها المنفعة الصميمة، وتوجبها الوقائع الماثلة، ويبسطها الحال من النواقص الكبيرة التي ليست في الأهمية، بل نادراً ما تكون في أول أبجديات التفكير عند التفكير في حاجاتهم الرئيسة؟!..
ربما يذهب كثير إلى التفكير في تدريسهم اللغة الأجنبية كأولويات الحاجة إليها، نظراً لأن الوقائع أثبتت أن لها أهمية زاحمت لساننا، وحجمت في ركن ما لغتنا!!..
أو إلى التفكير في الترويح عنهم بإشراكهم في ناد ترفيهي، رياضي، واجتماعي لأنهم يحسبون ضيقاً يلم بهم ليبددوه هناك، أو فراغاً يملأ تفكيرهم فيظنون أنهم سيملؤونه فيه، أو قد يذهب بعضهم إلى تجديد طلاء حجراتهم، وتغيير أثاثها، أو السفر بهم، أو زجهم في برامج صيفية لتعلّم السياقة، أو، أو، أو..
كل هذه الخطط، والأفكار لتغيير لافت يجعل من إجازة أبنائهم فرصة استمتاع، ورضا، فيشعر بذلك الآباء أنهم قدَّموا شيئاً ذا بال لأبنائهم، مع الحقيقة أن من لا يسافر يهدر الوقت في السهر والجوال والألعاب الإلكترونية، والنوم!!..
ولئن كان ذلك، لكن الأبناء كل الأبناء مفرّغون من أسس ليست عفو الفكرة، ولا على طرف اللسان، ولا تعني نفر، بل تخص كل والد من الكل، وإنها من ضرورات الحاجة لعنصر بشري يراد له الحياة بشخصية مستوفية أسس التنشئة، والوعي، والأخلاق، والعبادة المكتملة شروطها، وأركانها، ومسالكها الصحيحة، وكل ما هو قوام لأسس الشخصية الناضجة لأي عنصر بشري منتمٍ للإنسان، والإنسان المسلم تحديداً هو المقصد هنا، ذلك بعد أن اعترى هذه الأسس فيه الكثير السالب مظهراً، ومخبراً، وإن على الوالدين أن يتقيا أن يعتري الأكثر من النواقص مخبر أبنائهم حين يكبر الصغار في دارهم وهم يجهلون عباداتهم إلا اللمم، إن صلُّوا فصلاتهم ناقصة، وإن قرأوا في المدرسة شيئاً من القرآن ففي البيت يهجرونه، لا يعلمون، أو يتجاهلون بأنه شاهد ناطق إما لهم، أو عليهم..
كما أنهم لا يعنون بالدعاء، لم يدربوا عليه، فهم غالباً لا يعرفون من مأثوره إلا يسيراً، أو لا يعرفون البتة، كذلك كثير منهم لا يؤدون فروضهم كاملة، ويسهل عليهم تجاوزها، أو يتساهلون في جمعها قبل النوم، والنوم عنها في الفجر، تخاف عليهم أمهاتهم هواء التكييف فيتفقدنهم لتغطيهم، ويعاودهم أبوهم ليلاً ليطمئن عليهم، وفي النهار يتلهف كيف يسعدهم، ويمدهم بما يحقق لهم رغائبهم، بينما لا يجلسون معهم ليحدثوهم في شؤون دينهم، وعباداتهم، ولا يحفزونهم على الصلاة، وحسن أدائها، وأهمية الحبل الموصول بربهم الدعاء، كما لا يذهبون بهم إلى قصص الأنبياء التي هي المدرسة الفكرية الأساس، فهم في البدء لم يأخذوهم إلى سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فالأبناء لا يعرفون اسماً لصحابي إلا ما مر بهم في كتب المقررات، ثم نسوه بعد مغادرتها! بل الأعمق ألماً أن الصغار لا يحفظون للصلاة إلا بعض صغار السور، يكررونها إن صلوا مرة، وتناسوا مرات..
لكن العناية بهندام الصغير، ووسادته، وكمالياته، ولقمة يأكلها أضعاف العناية بمضمونه الإيماني، وسلوكه التعبدي..كما يقال «مسروقين» بأمواج الدنيا، وزخارفها، وبهذا السيل الغث من مغرياتها
بينما القاعدة السليمة أن «لا يجعلها الله أكبر همنا ولا مبلغ علمنا»..
«يتبع في الغد».