فهد بن جليد
حسابات الكثيرين من حولنا على وسائل التواصل الاجتماعي لا تُشبههم لا رسماً ولا محتوى، ولا تُمثِّل حقيقتهم النفسية والاجتماعية ومكانتهم المادية التي نعرفها، ولا حتى ثقافتهم وأسلوب حديثهم ودرجتهم العلمية، هؤلاء في نظري أذكياء استطاعوا (بحيلة التقنية) خلق صورة وهمية و(مثالية) تخدع كل من يُتابعهم أو يريد التعرّف عليهم أكثر، وكسبوا إمَّا مكانة اجتماعية أو مادية، أو شهرة على أقل تقدير، بالمُقابل هناك أشخاص آخرين أفضل بكثير من سابقيهم (علماً وفهماً) أهملوا تلك الحسابات وأضعفوا حضورهم على هذه المنَصَّات، لتُعطينا صورة مُغايرة عن حقيقتهم الطيِّبة ونفسيتهم السَّمحة وثقافتهم وفهمهم، لذا يبدو الحكم على شخصيتك من خلال حساباتك الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي حُكماً غير مُنصف أو عاكس للحقيقة كاملة، ولكنَّه درجة مُعتبرة تعكس توجُّه الإنسان وأفكاره في نهاية المطاف، لذا أوصِّي دائماً من يبحثون عن وظيفة، الاهتمام بحساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من اهتمامهم بكتابة السير الذاتية، فالحسابات اليوم (سيرة حيَّة) تُرجِّح كفَّتك بين المُتنافسين لقبولك في الوظيفة من عدمها، وتخلق صورة ذهنية أُشبِّهها إلى حد كبير (بأكذب) قصائد الشعراء وأعذبها.
إذا كانت مُعظم تلك الحسابات لا تُمثِّل بالضرورة حقيقة أصحابها ومستواهم المادي والعلمي والثقافي والاجتماعي - على الأقل من وجهة نظر المحيطين بهم- فإنّه يحق لنا طرح السؤال الأهم: هل محتوى تلك الحسابات والمنصَّات بالجُملة يعكس رأي المجتمع بالفعل؟ وهل يمكن الوثوق بنتائج ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي في ظل غياب مراكز بحوث ودراسات ومؤسسات علمية وإحصائية كافية توفر الأرقام والإحصاءات والمعلومات اللازمة لتؤكِّد أو تنفي؟ لنتذكَّر جميعاً أنَّ ما كان يُنشر في الصحُف والمجلات في (حقبة زمنية) خلت كان يوصف بـ(كلام جرايد) أي لا يُمكن الوثوق به مُطلقاً، رغم أنَّها وسائل إعلامية مُعتبَّرة تُمثِّل مؤسسات وتخضع لعمل وضوابط مهنية واحترافية وأخلاقية، فكيف هو الحال مع محتوى شخصي، وربما حسابات وهمية أو مُعادية لنا ولوطننا تُدار بأصابع اليد الواحدة، ولا تخضع لأي ضوابط أخلاقية أو مهنية؟
بالمُقابل هناك بعض من المشاهير الذين يُحاولون تقاسم الشهرة والكسب المادي والبحث عن مكانة اجتماعية فيما بينهم بصورة مكشوفة على حساب قضايانا وهمومنا اليومية والمعيشية على منصات التواصل الاجتماعي، لا يجب أن نثق بكل ما يقوله هؤلاء، ليؤثِّروا علينا بحذلقتهم وفهلوتهم، بل يجب أن نكون أكثر وعياً وإدراكاً، اسأل نفسك أخيراً: مَن أنتَ على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل حساباتك على هذه المنَصَّات تُمثِّلك بالفعل؟ عندما أهتم أنا وتفعل ذلك أنت، ربما تغيَّرت الصورة مُستقبلاً.
وعلى دروب الخير نلتقي.