د. حمزة السالم
ربنا سبحانه غني عن كل شيء، ولا حاجة له بعبادة عباده، فرخصه التي رخص بها للناس هي صدقات يتصدق بها من واسع فضله على عباده. والتعفف عن قبول صدقة الله - وهو المنان الوهاب عظيم الشأن - لا يعد ورعا ولا تعففاً، بل هو في ظاهره الحرفي كِبْر واستغناء عن رحمة الله قد يخرج صاحبه من رحمة الله وفضله.
وترى كثيراً من الناس لا يأخذون بالرخص ليس تعففاً عن صدقة الله -والعياذ بالله - بل لظنهم أنهم يحسنون صنعاً، وهذا من الجهل الناتج عن تتبعهم لأحاديث الوعاظ والمتمشيخة الذين ينقلون بلا تمحص من التراكمات الفقهية، كالتي صورت أن الصيام في السفر موازٍ للإفطار أو أنه أفضل، مستشهدين جهلاً بقوله تعالى في سورة البقرة: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} فإنما الآية جاءت عندما كان الصيام على الخيار بين الصيام أو الإفطار مع الإطعام.
ولذا ترى أكثر السياح المسلمين في الخارج صوما! فمنهم من يقول ليس هناك مشقة، ومنهم من يتعاظم الإفطار ويفتخر بالصيام، ومنهم من يخشى صعوبة القضاء. فأما الأول فلم يفقه الشرع، وأما الثاني فهو مسلم بالعرف والعادة فصومه عادة لا عبادة، وأما الثالث فضعيف العبادة. فإفطار السائح المسافر في رمضان دليل على قوة إيمانه وصحة عقيدته وحسن فقهه وإخلاص نيته في العبادة، والشواهد على ذلك ما يلي:
إن المفطر في السفر مُجمع على صحة عمله، أما الصائم لرمضان في سفر فهناك أقوال معتبرة في أن صيامه لا يقع؛ لأن صوم رمضان لا ينعقد في السفر بصريح قوله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وأما السنة فليس فيها دليل ينسخ صريح الآية بالتخصيص أو الصرف عن الشرط. فكل ما جاء في السماح في الصيام في السفر هي أحاديث عامة دلالتها تدل أنها في صيام التطوع لا الواجب، كحديث «أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام قال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) فالشاهد (وكان كثير الصيام). فالجمع الأسلم بين الترغيب في أخذ الرخص والآية السابقة وبين عموم الأحاديث المبيحة للصيام في السفر هو أن تُحمل الإباحة على صيام التطوع لا الواجب.
وشاهد ذلك ما رواه ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه الناس فأفطر حتى قدم مكة وذلك في رمضان» فهذه سنة صريحة في موافقتها للقرآن.
والصحيح والله أعلم، أن صيام رمضان ينعقد في السفر لما جاء عند مسلم: (هو رخصة من الله فمن أخذ بها فهو حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)، والرخصة لا تكون إلا في الواجب لا التنفل، فصيام رمضان في السفر ينعقد ولكنه ليس من البر والتقوى والله أعلم.