شريفة الشملان
تلك بداية أغنية جميلة وقديمة لعبدالوهاب لكن ما سأكتب عنه شيء غير جميل، تلك هي زائرة المتنبي التي قال عنها:
وزائرتي كأن بها حياء فليس تزور إلا في ظلام
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
هي لا شك الإنفلونزا تلك التي هبت الأسابيع الماضية مع تقلب الجو ولكن هبتها كانت بجد قوية جدًا قد يحتاج البرد العادي لما لا يقل عن ثلاثة أيام ولكن لمن هم مثلي قد يتجاوز الأمر الأسبوعين.
المشكلة معها هي الحرارة والسعال إضافة للكحة، هي تعزف ليلاً موسيقى نشازًا جدًا، في المساء حيث يكون السكون والهدوء ويبقى صاحبها وحيدًا مع الكحة والحرارة والسعال.
أظنها تنادي معها ألف جني يساعدونها على هذا الشخص الضعيف المنهك مما يعاني فلا عبد الوهاب يشدو ولا الأحبة تغازلوا ضوء القمر.
تبدو الأدوية عبارة عن وسائل تهدئة ليس إلا السرير يطردنا، كل شيء يكون موحشًا لدرجة قد يظن المصاب أن الرحيل قد أزف.
وفي أدبنا العربي هناك شعراء ممن أخذوا من ميمية المتنبي وحاكوها منهم شاعرتنا المميزة د.فاطمة القرني.
تلاشى النجم في غيب الظلام
ونام الخلق يا عينيّ نامي
مضت سبع وما قاربت غفوا
ولا أزرى بها طول المقام
تشب بها الجفون لظى.. وتصلي
بها الأضلاع رجفًا من سقام
تخلق حرها من زمهرير
ونشأ بردها وقت الضرام
فأمسى والدثار على احتراب
أشد.. أرد أعجزه مرامي
وأهذي.. تارة أدعو وحينا
أتوه.. يحول غمغمة كلامي
أقف هنا عند البيت الأخير يبن معاناتي بكل قوة فأحيانًا أظن أني فقدت السيطرة على عقلي، أجدني أهذي واتخيل من يقف عند رأسي ومن يكلمني، لكن الأكبر أن استحضر كمًا كبيرًا من أحباب فقدناهم.
أجد نفسي في سريري يبللني عرق غزير، تصتك أسناني من رجفة، أهذه أنا أم أحد غيري لعب بكل كياني. أحاول أن اسنتد على أي شيء حتى أحفظ توازني لتغيير ملابسي. حمد لله ان سلم، الفراش يعود ليطردني منه الصالة تبدو موحشة والصداع يعبث بي. أحقًا هذي أنا التي كتبت وعملت وأنجبت وربت شيئًا يقلب الكيان كله هو الضعف يسيطر على كل ذرة في كياني..
وأعتذر عن كتابة المقال الأسبوعي وآمل أن أعود وأكتب للأسبوع الذي بعده، ولكن لا كل شيء يعاند، حتى تبدو زائرة المتنبي أقوى من الأدوية وكل المسكنات.
ويمر أسبوع ويليه آخر وها أنا أعاود بعد ثلاثة أسابيع لا أزعم أنني شفيت ولكن على الأقل أعرف كيف أكتب وكيف أميز وعلى الأقل انسحب ضيوفها وبقيت أكافح من آثارها.
إنها المرضة التي عادة لو سأل (ما به؟) لقيل ببساطة (برد). ولكنه ليس أي برد.
وأعود لألطف الجو قليلاً بأغنية عبد الوهاب:
عندما يأتي المساء ونجوم الليل تنثر
اسألوا الليل عني متى نجمي يظهر
عندما تبدو النجوم في السما مثل اللآلئ
هل من حبيب عنده علم بحالي
كل نجم راح في الليل بنجم يتنور
غير قلبي، فهو ما زال، على الأفق محير
وعافانا الله جميعًا وتقبل طاعاتنا وشهر فضيل قادم اللهم بلغنا إياه وسلمه لنا وتسلمه منا كاملاً..