«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
لم يكن الاحتفاء بـ«اليوم العالمي للكتاب»، 2019، في العاصمة الرياض، مناسبة عابرة بتقليدية ما درجت عليه العادة.. والمألوف.. والمكرور.. مما اعتاده منظمون وملّه المتابعون.. إذ جاء الاحتفاء بهذه المناسبة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، وحضور نائبه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، وذلك لإحياء ذاكرة «كتاب الرياض» التي تعود إلى أكثر من ستين عاما، عبر تدشين «قيصرية الكتاب»، التي تم إنشاؤها في منطقة قصر الحكم، وسط مدينة الرياض، لتعيد الكتاب إلى القيصرية عبر بعدين حضاريين، الأول منهما يتجسد في «المكانة»، لا مجرد المكان، لما أصبحت عليه الرياض عبر عقود من التطوير الذي تعد القيصرية أحد معالمه وشواهده، ورواته أيضا، حيث ستصبح القيصرية ساحة لملتقيات المثقفين، وحركة الثقافة، بما تضمه من مكتبات، وأماكن مخصصة لتوقيع الكتب، وأخرى للجلوس والقراءة، لتكون ساحة صالون ثقافي «مفتوح» على المكان بأصالته وعراقته، وعلى الزمان (المرحلة)، وفقا للاستراتيجية وزارة الثقافة، التي تأتي في إطار النقلة النوعية التحولية التي تشهدها المملكة حضاريا وثقافيا واقتصاديا وتنمويا في مختلف المجالات.
أما البعد الآخر، فيتمثل في النهضة التنموية الشاملة التي تشهدها مختلف مناطق المملكة عامة، عبر «زمانية» المرحلة التي نعيشها عبر رؤية المملكة 2030، حيث وصف أمير منطقة الرياض في حديثه في هذا السياق، أن الموقع الذي تقع فيه «قيصرية الكتاب»، ضمن المواقع الذي تسلمتها الهيئة العامة للاستثمار، وذلك ضمن مشروع تطوير وسط الرياض، الذي جاء ضمن المشروعات التنموية التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله - مؤكدا سموه على أهمية رسالة الثقافة، ودور المثقفين، تحقيقا للرؤية الوطنية، موجها سموه رسالتهم إليهم، خلال لقائه بالمثقفين في جلسة حوارية استمع خلالها إلى آمال المثقفين والمثقفات عبر قيصرية الكتاب، قائلا سموه: سنسعى إلى تحقيق كل ما تتطلعون إليه في قيصرية الكتاب، كما نتطلع من خلال المثقفين، أن يقدموا الثقافة التي تجذب إليها كافة شرائح المجتمع بدءا بالنزول بالثقافة من النخبوية إلى مستوى الإنسان العادي، لتنمية ثقافته، وصقل وعيه، إذ على المثقفين ألا يهملوا أي فئة من فئات المجتمع، وأن يمدوهم بالمعلومة الجديدة، والمعرفة المشوقة، وأن يثروا روح الحوار والنقاش الهادف بكل ما يفيد المجتمع.
مبادرة مكتبة المؤسس
المشرف العام على مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض، معالي الأستاذ فيصل بن معمر، تحدث بهذه المناسبة لـ»الجزيرة»، قائلا: للاحتفاء بيوم الكتاب العالمي في «قيصرية الكتاب»، دلالاته العميقة، لكونها في وسط الرياض، في مكان له مكانة في قلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض، فالمكتبة تسعى وفقا لرؤية استراتيجية وزارة الثقافة التي أطلقتها على أن تقدم وتسهم وتشارك في المهرجانات الثقافية الوطنية، وفيما يخص مشاركة المكتبة في قيصرية الكتاب، فالمكتبة بمشيئة الله ستسعى إلى أن تسهم من خلال هذا المشروع الثقافي انطلاقا مما تؤمن به من مسؤولية كبيرة، وذلك بأن نكون دائما مساندين لكافة برامج وزارة الثقافة، وفيما يخص قيصرية الكتاب، فلدينا حرص على المساهمة في هذا المشروع الذي لا ننسى اهتمام صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، واهتمامه الشخصي بإحياء وسط الرياض بالمزيد من الوهج الثقافي، من خلال قيصرية الكتاب، وستظل مكتبة الملك عبد العزيز العامة حريصة على تقديم آليات وأدوات تساعد في تنفيذ الخطة الطموحة، لذا أقول عبر (الجزيرة) بأن مكتبة الملك عبد العزيز دائما جاهزة ولديها كل الاستعدادات لتقديم أنشطة وبرامج نوعية، تساهم في خدمة هذا المجال الثقافي والحضاري.
القيصرية والكتاب!
محمد المحيسني، استعاد القيصرية من خلال الكتاب قائلا: من القيصرية في قلب العاصمة الرياض، وتحديدا من خلف رواق القيصرية الذي أقيمت فيه ندوة « صناعة الثقافة في المملكة وفق رؤية 2030»، بمناسبة اليوم العالمي للكتاب اشتريت أول كتاب في حياتي قبل أكثر من خمسة وأربعين عاما، ما يجعل من «قيصرية الرياض» مشروعا طموحا يواكب النهضة الثقافية وذلك وفق استراتيجية ثقافية وطنية تقوم على هذه القيصرية وتعنى بمناشطها، التي ستنطلق من وسط الرياض إلى أطرافها.
بعيدا عن النخبوية!
من جانب آخر أشادت الدكتورة زينب الخضيري، بمشروع قيصرية الكتاب قائلة: نهنئ أنفسنا بهذه المناسبة الاحتفائية الدائمة بالكتاب، التي شاركنا انطلاقتها سمو أمير منطقة الرياض، القيصرية التي ستسهم في إخراج الثقافة من دوائر النخب إلى الناس البسطاء، وأن يشاهدوا بأعينهم المثقفين والمثقفات في قيصرية الكتاب يتحدثون إليهم في حراك مجتمعي ثقافي، لذا فإنني أؤمل أن يشهد هذا المكان في وسط الرياض حراكا ثقافيا اجتماعيا ثقافيا لا مجرد ثقافي نخبوي.
حلم الناشرين!
«قيصرية الكتاب.. الحلم!»، بهذه العبارة استهل أحمد الحمدان رئيس جمعية الناشرين السعوديين السابق، حديثه، قائلا: قيصرية الكتاب أحد الأحلام التي تحققت للمثقفين والناشرين على حد سواء، فمنذ بزوغ هذه الفكرة من خلال إطلاقها تزامنا مع اليوم العالمي للكتاب، فما كان من الناشرين إلا أن بادروا بالمشاركة عبر فعاليات هذه المناسبة، احتفاء منهم بهذا الحلم الثقافي، وبوصفنا ناشرين فإننا سنبادر بإسهامات ثقافية، أو دورية نقدمها في قيصرية الكتاب خدمة للثقافة تجاه كافة أطياف المجتمع، لنقوم بواجباتنا عبر القيصرية لكونه واجبا وطنيا ثقافيا.
«القيصرية» ومرتكزاتها!
وبمناسبة إطلاق «قيصرية الكتاب»، فقد تحدث الدكتور سعد البازعي، عن هذه المبادرة عبر ثلاثة محاور رئيسية، قال فيها: بهذه المناسبة التي احتفينا بتدشينها في يوم الكتاب العالمي، محتفلين فيه بإطلاق «قيصرية الكتاب»، فإن للحديث عنها ثلاثة مستويات، أولها: دور القطاع الخاص، ومنه جمعية الناشرين السعوديين، وذلك في الإسهام والمشاركة الفاعلة في مناشط القيصرية؛ أما المستوى الثاني، فيتمثل في مشروع إعادة تأهيل منطقة قصر الحكم، ووسط الرياض، وما تضمه من أماكن تراثية ما تزال محتفظة بذاكرة الرياض، ما يتطلب الاعتناء بها ضمن هذا المشروع التنموي؛ أما آخر المستويات، فهو الدور الشمولي الثقافي، الذي عليه ألا يقف امتداده وإشعاعه من قلب الرياض إلى أطرافها، وإنما أن يكون للقيصرية نشاطها الذي يصل ويتواصل مع المحافظات التابعة لمنطقة الرياض.
النبض والذاكرة!
أما الدكتور زياد الدريس، فقد وصف تدشين «قيصرية الكتاب» بأنه مما يبهج كل المثقفين، وخاصة أنه مشروع ثقافي في قلب العاصمة، ووسطها الذي يذكرنا إطلاق هذه القيصرية فيه، بما تمثله مراكز العواصم العالمية من حراك ثقافي ينطلق من أحيائها الداخلية فيها، مؤكدا في حديثه على أهمية الاحتفاظ ضمن ما يشهده وسط الرياض من مشاريع تطوير، بذاكرة المباني، وذاكرة الأسماء القديمة في وسط العاصمة، بما في ذلك الشوارع والسكك القديمة التي تجسد مرحلة تاريخية، وذاكرة وطنية.
خطاب القيصرية!
ولقيصرية الرياض قصة وطيدة وقديمة مع الكتاب، وصفها الدكتور عبد الرحمن المديرس، قائلا: لمكان قيصرية الكتاب مكانة هامة، وارتباط عميق في نفوس المثقفين في الرياض، ففي المكان الذي يتم إقامة فعاليات القيصرية عليه، كنت أشتري الكتب قبل أكثر من خمسة وأربعين عاما، ما يجعل قيصرية الكتاب تبعا لهذا العمق الثقافي، مؤهلة وقادرة على إدارة خطاب ثقافي، وذلك من خلال ما نتطلع إليه عبرها من مناشط ثقافية، ومهرجانات نتمنى أن ترعاها مكتبة الملك عبد العزيز العامة، أو تسهم في تنفيذها عبر قيصرية الكتاب.
من حكاية الأمنية!
وعن هذه الأمنية، وصف الزميل الأستاذ حمد القاضي، الكاتب بصحيفة «الجزيرة» قصة هذا الحلم الثقافي الذي تحقق، بأنها جاءت بمبادرة واهتمام سمو أمير منطقة الرياض، قائلا: تحقق للكتاب بهذه القيصرية «بيتا» يسكنه، وتقوم حوله ومعه الفعاليات، وإذا كان لكل إنسان حلم، فإن قيصرية الكتاب من الأحلام التي تحققت للمثقفين والمثقفات في الرياض، فلقد كانت لي ذات يوم حلما كتبت عنه، في مقالة لي بعنوان «الكتاب وحلم قيصرية الرياض»، في صحيفة (الجزيرة)، إلا أنني حينها لم أستغرب مبادرة سمو أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر، الذي قاد الحلم إلى ميدان الحقيقة، باهتمام بالغ من سموه، وكنت قد اقترحت في مقالتي أن يكون المكان خارج المنطقة الوسط في الرياض، ليكون الوصول إليه أسرع وأسهل مقارنة بوسط المدينة، إلا أن سموه أصاب كبد الحقيقة عندما رأى أن ينفذ هذا المشروع الثقافي في وسط الرياض، وذلك كإضافة تزيد من وهج الحضور الثقافي لوسط الرياض، ولتكون القيصرية إضافة ثقافية وحضارية وتراثية لتكون منارة إشعاع معرفي من خلال قيصرية الكتاب، التي أولاها سموه حرصه، وحضور تدشينها، لتكون قيصرية الكتاب من المواقع الحضارية التي يفد إليها الزائر من مختلف مناطق المملكة ومن خارجها.
تكاملية حضارية!
وبهذه المناسبة أكد الدكتور سعد الراشد على أهمية الاحتفاظ بذاكرة وسط الرياض، وذلك من خلال المشروع التنموي التطوري الذي سيربط منطقة قصر الحكم بمركز الملك عبد العزيز التاريخي، ليكون الممر الرابط بينهما ممر ثقافي حافل بالمناشط، ومحتفظا بذاكرة الرياض التاريخية، وأن يكون وسط الرياض عبر هذا المشروع مركز إشعاع حضاري ثقافي واقتصادي وتراثي، بما في ذلك ما ستسهم فيه قيصرية الكتاب، متمنيا أن يكون لقيصرية الكتاب جائزة باسمها يرعاها سمو أمير منطقة الرياض.
.. وبعد:
فمنذ اليوم الأول لبزوغ شمس «قيصرية الكتاب»، المشروع الثقافي الحضاري، الذي سيكون مركز إشعاع من قلب العاصمة الرياض إلى أنحاء العالم، منذ تلك اللحظات التي كان يتابع فيها سمو أمير منطقة الرياض وسمو نائبه، بواكير قيصرية الكتاب الثقافية، إذ جاء لقاء سموهما بالمثقفين في القيصرية، بمثابة «ورشة عملية» استشرافية، وذلك ضمن الندوة التي أقيمت في القيصرية احتفاء باليوم العالمي للكتاب، إذ كان سموه يعقب على أدق تفاصيل الآمال والتطلعات بالمباركة والدعم والتوجيه، ما سيفترض معه وبه أن تكون القيصرية معلما حضاريا يعزز حضور الصورة «البصرية» التي تعكس بجمالياتها الإرث التاريخي العمراني لقيصرية الرياض، التي ستلتقي فيها الحكايات الشعبية بسيمائيات المدينة ورواياتها، لتنساب فيها الثقافة ما بين النخبوي والشعبي، وتغدو ممراتها معارض للفنون البصرية، وجنباتها محافل للقاءات وورش قرائية ومهارية.. بجهود تتكامل فيها الوزارات والهيئات والمؤسسات الأكاديمية، ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، والمكتبات العامة والخاصة، إلى جانب نادي الرياض الأدبي، وجمعية الثقافة والفنون، ولتجتمع إليها قوافل المبادرات الثقافية، ما يتطلب «إدارة للعلاقات العامة والإعلام» تنظم حراكها الثقافي على مدار العام، التي متى ما كان ارتباطها بإمارة الرياض فسيختصر أمامها الكثير من مسالك البروقراطية ونمطية إدارة العمل الثقافي، خاصة فيما يفترض أن تكون عليه «قيصرية الكتاب» بوصفها نموذجا مختلفا، له آلياته وقنواته ووسائله في تسويق الثقافة محليا ودوليا، إلى جانب مقترح «جائزة قيصرية الكتاب» التي ربما لو خصصت لأفضل «المبادرات» لزادت من روح التنافسية، وفاعلية الحضور، على المستويين: جودة الأداء، حجم التلقي.