نقل لنا التاريخ مواجهات كبيرة وعميقة بين السياسة والفكر بكل أنواعه ومدارسة حتى جاء السؤال هنا: هل ينحصر الفكر بفعل السياسة ومن منهما سينتصر، وهل هناك مواجهة حتمية بينهما أم أن لكل مساره، وهل يقحم أحدهما بالآخر أم يقتحمه؟!
من وجهة نظري أن مفردة الفكر هي أوسع من مصطلح السياسة، بل إن السياسة جزء من الفكر، فهناك ما يعرف بالفكر السياسي وهو الذي أُعرفه بأنه «إعمال العقل في نظريات السياسة وطرق الحكم»، وهناك تجارب غربية كبيرة بالفكر السياسي كالماركسية وغيرها.
أما في مشهدنا التاريخي العربي والإسلامي فقد وقعت مواجهات كبيرة بين السياسة «بكل طرقها الحكمية» والفكر السياسي الإسلامي وشواهد العصر أيضًا متعددة في ذلك، وقد فشل الفكر السياسي الإسلامي «المتطرف» في صناعة فكر سياسي رصين وأثبت أنه لا يملك مقومات بناء الحكم السليم والموازنة بين طرق الحكم التاريخية الإسلامية المعتدلة والناجحة وبين شكل الحكم الحديث في ظل نشوء الدولة القُطرية الحديثة،
أما في المشهد السعودي الحديث فقد نجحت الدولة بأنهاء هذا الفكر والقضاء عليه بالمواجهة الصريحة المباشرة، ولا أجد انحسارًا أو محاربة لأي شكل من أشكال الفكر الأخرى المعتدل المتقيد بشروط المرحلة وظرفها التاريخي.
ما أريد قوله أن أبواب الفكر كبيرة وأوسع من أن يحصر الاعتدال فيها، وقد دعت وتدعوا مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة لمداولة الاعتدال والتشجيع على إعمال العقل في كثير من أبوابه لرفع مستوى الوعي الفكري ومواجهة جميع الآراء الفكرية المتطرفة وخلق عقل جمعي جدلي منفتح وأكثر اعتدالاً.
** **
- خليل الذيابي