ماء الثِّماد من إصدارات نادي حائل الأدبي، طباعة دار المفردات للنشر والتوزيع، يحتوي على 163 من القطع المتوسط، تأليف: أ.د عبدالله بن سليم الرُّشَيد.
نستهل بالتعريف:
«المغمورُ من الشعراءِ هو من غاب ذكْرُه، وطُوِي نتاجُه، فضاع أكثرُه، أو بقي ولكنه لم يُعرَف، أو عُرِف غير أنه تُرِكَ، أو أُخِذَ فقُلبَ النظر فيه، كما يُقلَّب في بضاعةٍ مُزجاةٍ، ولم يُوفَ كَيلُها». ص7،8.
يصعب على المرء التعريف بإنتاج عَلمٍ مِن أعلام الأدب المعاصر، كالأستاذ الخلوق والناقد الشاعر: عبد الله الرُّشيد، ومع ذلك يسجل القارئ شهادة حق بما ينمي الذائقة ويطور الوعي.
تميزت مجموعة أبحاثه في طرقها الغريب، وسبر أغوار التراث الأدبي، واستخراج مكوناته في تحقيقها ودراسته، وإبراز أسماء شعرية لم يُسمع بها خارج دائرة المختصين، مع توضيح أسباب خفوتِ ضوئهم.
ساردها من أرباب الفكر، قلمه شلال يدفق في العطاء، والمعرفة، والرؤى...
أسلوب القص لديه فيه من الإمتاع والمؤانسة، خاصة إذا كان المحتوى لا يشق له غبار؛ لذلك سوف أكتفي بجزءٍ من قيمه العملية فيما هو آت:
يُقسم الكتاب أربع دراسات، نرفق اسمها مع شاعر مِن كل دراسة، ونبذة عنه، وشيئًا مِن أبياته.
-1
دختنوس إحدى شواعر الجاهلية:
«فمن دَخْتَنُوسُ؟
إنها دَخْتَنُوسُ بنت لَقِيط بن زُرارة التميمي، ولم يكن لأبيها غيرها». ص14.
قالت تفخر ببلاء قومها:
«عَصَوا بسيوفٍ الهندِ واعتكرتْ لهم
بَراكاءُ موتٍ لا يطيرُ غرابُها
أسودُ شرًى لاقتْ أسودَ خَفِيّة
سرابيلُها الماذِيُّ غُلبٌ رقابُها». ص31.
قُدِّرتُ وفاتُها في سنة 594م. ص24.
-2
البحث عن الذات عند صعاليك المدينة في القرن الثالث:
أبو المخَفَّف عاذرُ بنُ شاكرٍ الذي لم يذكره مِن القُدماءِ غيرُ ابن الجرّاح (ت: 296 هـ) ص90.
ومن قوله:
«فليس يحسُنُ إلا في وصفِة أشعاري
وذاك أني قديمًا خلعتُ فيه عِذاري».
إنَّ السهولة المفرطة والوضوح العاتي هما مدخل الشعراء المنسيّين أو المغمورين إلى قلوب عامة الناس.
ص97،96.
-3
(ها أنَذا) منطق الشاعر المغمور
المَغْرِبيّ المُغْرِب:
محمدُ بنُ عُمرَ الحَجْريُّ التِّلمِسَانيُّ، وشهرته ابنُ خميسٍ (ت: 708 هـ) ص130.
ومن قوله:
«تِلِمسانُ لو أنَّ الزمانَ بها يسخو
منى النفسِ لا دارُ السلامِ ولا الكرخُ» ص134.
إنَّ ابن خميس كأكثر الشعراء المغمورين يفتّش عما يلفت النظر إليه. ص 135.
-4
شاعرٌ من جُدَّة يسيِّرُ جيشًا إلى الروم
أبو محمدٍ عبدُالله بن يوسفَ التميمي. ص142.
هو شاعر مكيّ الأصل، استوطن جُدّة، ثم رحل إلى العراق، واتصل ببلاط هارون الرشيد؛ لعله يحظى عنده بأعظم جائزة.
ص 145.
ومن قوله:
«هوتْ هِرَقْلةُ لما أنْ رأتْ عجبًا
حوائمًا ترتمي بالنِّفطِ والقارِ
كأنَّ نيرانَنا في جنبِ قلعِتهم
مُصبَّغاتٌ على أرسانِ قصارِ».
تمَّت هذا الشهادة البسيطة التي كان جُلها عرضًا مختصرًا مِن كلمات المؤلف، وهي خير مقاربة للقراء الكرام.
** **
- محمد بن زعير