استلزم تحرر المرأة من القيود المفروضة عليها تجاوز عقبات كونها المجتمع بإرثه التقليدي، ومع أنها تخطت تلك العقبات التي تمثلت في تعليمها، وعملها تماماً كالرجل، إلا إنه لم يستطع أن يتجاوز معها ذلك الإرث العظيم الذي يفرض عليه أن يبقي المرأة في دائرة مغلقة لا يمكن أن تتخطاها، وعلى الرغم من ثقافة الرجل الشرقي التي تعايشت مع شيء أنواع التحديات إلا أنه لم يستطع أن يتجاوز تقاليده المورثة عن المرأة، فشكل أمامها حاجزاً للتقدم والتطور، هكذا يقع المثقف الشرقي في أحابيل ثقافته الشرقية في رواية (عذراء المنفى).
شكلت الرواية نقطة تحول في الرواية السعودية، حيث تناولت قضايا لم تتطرق لها الروايات قبلها، أو بالجرأة ذاتها، حيث تناولت أحداثها تعليم المرأة، وعملها، ونمط حياتها، فكانت جريئة بتناول هذه القضايا في مرحلة مبكرة من تاريخ الرواية في المملكة العربية السعودية.
إلا إن نظرة أخرى يمكن أن تعزز تلك الجرأة من زاوية أخرى، وتقود الأنظار إلى جانب آخر في نقد المثقف الشرقي وتعليميه، والذي لم يستطع التحرر من قيود تقاليده العتيقة مهما بلغت ثقافته، فقدمت جابناً مهمًا في المجتمع اخترقت فيه موضوعاً شائكاً لم تجرؤ الروايات قبلها أن تقتحمه بالجرأة ذاتها، فرغم النظرة التي قدمتها عن قضايا المرأة، إلا أن علاقتها بالمثقف الشرقي، ونقدها الرمزي لموقفه المتردد، جعل منها رواية جريئة أكثر من جرأتها على طرح تلك القضايا.
تناولت الرواية صورة المرأة المثقفة التي عايشت مجتمعات مختلفة، فأبرزت الجانب المشرق لتلك الصورة، حيث استطاعت أن تخلق النجاحات تلو الأخرى، فكانت تلك نتيجة التعليم، تلك الصورة التي لم تخالفها الرواية، أو تجعلها متجاوزة عن حدود الدين، أو التقاليد، رغم الكثير من التجاوزات التي يرفضها الدين، والعادات.
وفي الجانب المقابل أبرزت صورة المثقف الشرقي الذي ينتصر لقضايا المرأة، ويعزز من مكانتها في المجتمع، ويؤمن بدورها في تنميته وتطويره، إلا إنه يسقط في أوحال تقاليده المتأخرة، ولا يستطيع الفكاك منها، فهذا المثقف رغم ثقافته التي تجاوزت كل تقاليد المجتمع في ذلك الوقت، ووقوفه أمام مجتمعه نصيراً للمرأة لم يتمكن رغم ذلك كله من الخروج إلى الثقافة الحقيقية التي تحرر المرأة من قيود المجتمع، فكان هذا صورة الثقافة الشرقية في أعلى مراتبها.
تتجلى هذه الصور بعد ارتباط بطل الرواية (زاهر) بـ (بثينة)، حيث كشفت الأحداث عن الجانب المظلم في حياة (زاهر) ذلك المثقف الشرقي الذي لم يقبل اعترافات (بثينة) – المثقفة المتحررة – بعلاقة الحب العفيف الذي ربطها مع شاب أثناء دراستها في الخارج، حيث سيطرت الشكوك على أفكاره، فجعلت منه رجلاً يعاني من اضطرابات نفسية، وغير قادر على تجاوز قيوده المجتمعية.
صورت الرواية (زاهراً) رجلاً لا يمكن العيش معه، فعلى الرغم من ثقافته الواسعة إلا إنه شخصية ضعيفة الإرادة، وغير قادر على حسم موقفه، ضعيفاً لا يمكن أن يتجاوز عقده التقليدية، وهذا ما دفع (بثينة) إلى قرار الانفصال عنه، وتفضيل العيش في منفى التقاليد المجتمعية من العيش معه.
فكانت صورة المثقف الشرقي غير طبيعية، وضعيفة، في مقابل صورة المثقفة المتحررة التي خسرت كل شيء بسبب ضعف ذلك المثقف، بينما كانت هي قوية وحاسمة، ولم تتنازل عن مبادئها مهما كانت النتيجة.
وهنا يتعزز جرأة الرواية التي وجهت نقدها الرمزي للثقافة الشرقية التي لم تستطيع التحرر من أغلال المجتمع مهما بلغت درجة تعايشها مع التطور، فهذا (زاهر) رغم كل ما تمتع به من الثقافة المتقدمة، لم يستطع أن يتحرر من قيوده التقليدية، وسقط في أول امتحان له مع توجهات الثقافة الحرة.
** **
- حافظ عريشي