سلطان بن محمد المالك
سأبدأ في الموضوع مباشرة؛ فلا تعليق فيما يحدث هذه الأيام من هجرة أصحاب التخصصات، وعملهم في مجالات في غير تخصصاتهم. سأسرد بعض الأمثلة الحقيقية، وأترك التعليق لك عزيزي القارئ:
- طبيب جراح متخصص، بارع في مهنته، حاصل على أفضل الشهادات العلمية في تخصصه، والبلد بحاجة ماسة إلى خدماته طبيبًا جراحًا، هجر مهنته بوصفه طبيبًا، واتجه لمجال آخر في الإدارة والتجارة والاستثمار. ترك مهنته للأجنبي الأقل كفاءة منه.
- مهندس ميكانيكي تخرج من أعرق الجامعات في مجال تخصصه، وكان متفوقًا جدًّا أثناء دراسته، وبدلاً من أن يلتحق بالعمل في مجال تخصصه، والبلد بحاجة إليه، يتجه للقطاع المصرفي، ويزاحم المتخصصين في التحليل المالي، ويأخذ وظيفتهم.
- طبيب أسنان متخصص، تخصص دقيق في زراعة الأسنان، يترك مهنته، ويصبح بقدرة قادر من أكبر مضاربي ومحللي الأسهم.
- أساتذة جامعة في تخصصات مختلفة يهجرون مهنة التعليم وتخريج الأجيال بحثًا عن وظائف إدارية أخرى، وفي الغالب في غير تخصصاتهم.
- ضباط تخرجوا من كليات عسكرية، أنفقت عليهم الدولة الكثير، تقاعدوا مبكرًا هربًا من العسكرية، واتجهوا للتجارة على الرغم من حاجة البلد إلى خدماتهم.
- شاب تخرج من الجامعة في تخصص التسويق والمبيعات يتجه للعمل في القطاع الحكومي في تخصص لا يمت بأي صلة لتخصصه خوفًا من العمل في القطاع الخاص، ويترك الفرصة للأجنبي الذي لم يتردد في استثمارها.
- مترجم حصل على شهادة الدكتوراه في الترجمة، وبدلاً من أن يمارس مهنته مترجمًا متخصصًا، أو أن يفتح مركزًا للترجمة، أو أن يتجه للتدريس في الجامعة، يتجه إلى العقار والمساهمات العقارية، ويترك مهنته الأساسية للأجنبي.
- خريجو معاهد مهنية فنية وكليات تقنية بتخصصات فنية، لا يرغبون في العمل بمهنهم؛ ويبحثون عن العمل المكتبي.
الأمثلة كثيرة جدًّا، ولا يسع المجال لسردها. وما ذكرت لا يمثل إلا جزءًا من الحقيقة، وكما يقول المثل الشعبي (الشق أكبر من الرقعة). أعتقد أن لدينا (ظاهرة)؛ فالمعلِّم لا يريد أن يعلِّم، والمهندس لا يريد أن يهندس، والمترجم لا يريد أن يترجم، والمسوِّق لا يريد أن يسوِّق.. أتساءل: كيف نوطن الوظائف إذا كان أصحاب المهن والتخصصات يتهربون منها، ويتركونها للأجنبي؟
أين الخلل؟ مَن المسؤول عما يحدث؟ وإلى متى يستمر استنزاف الطاقات وإهدارها في غير محلها؟ أنا بالطبع لا أملك إجابة عن تساؤلاتي.