عبدالعزيز السماري
ما يهب على المنطقة العربية من رياح عاتية لم يكن وليد الأمس القريب، لكنه نتاج لواقع متغير منذ إبرام اتفاق سايكس بيكو في مايو 1916 خلال الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا العظمى وفرنسا، وبموافقة روسيا، لتقطيع الإمبراطورية العثمانية، فقد كان أول حراك في منطقة «كانت» خارج التاريخ الحديث لخمسمائة عام. وأدت الاتفاقية إلى تقسيم المناطق العربية بالمسطرة إلى مناطق مختلفة، تديرها فرنسا وبريطانيا. وأخذت الاتفاقية اسمها من مفاوضيها: السيد مارك سايكس من بريطانيا وجورج بيكو من فرنسا.
لا تزال خطوط الحدود المرسومة بعد الحرب العالمية الأولى تؤدي أدوارها في منع بعض الزلازل الكبرى في الصحراء العربية، لكن في السنوات الأخيرة بدأت بعض العواصف الصحراوية في الارتفاع مرة أخرى، لكنها تصطدم بالاتفاقيات التي بُنيت في زمن التغيير الأول، وتقاوم الرياح بمساعدة من القوى المؤثرة في المنطقة.
سقطت سوريا في نيران الحرب الأهلية، ولا أحد يتصور كيف ستظهر مرة أخرى كدولة موحدة، وفي الجوار (لبنان) لا يزال يعاني صدمة من جراء سنوات الصراع الطويلة: اتفاق هش بين مختلف الطوائف الدينية حول وَهْم الاستقرار، بينما الدولة ما زالت غائبة. الأكراد والسنة والشيعة تجمعوا معًا في الكيان العراقي الموحد من قِبل البريطانيين، وفي ظل وجود التدخلات الأجنبية، وخصوصًا من جهة إيران. لا يمكن لأي كان أن يتنبأ عن حال العراق في مستقبل الأيام.
استمر النظام القديم لأكثر من 100 عام تقريبًا. وقد يتساءل المرء: إذا كان هذا هو أكثر أو أقل من الوقت الذي يتصوره مصمما الاتفاق الشهير (سايكس وبيكو) فأمريكا تريد لسوريا نوعًا من التغيير في النظام الذي تنوي إيران بناءه، لكن في العراق يجدون أنفسهم يقاتلون المتطرفين في الدولة الإسلامية المزعومة، وفي ليبيا تتصارع بوضوح الدول الأجنبية في داخل الأرض العربية، وفي السودان والجزائر تبدو الصورة متجهة إلى ما هو الحال عليه في ليبيا..
من خلال كآبة العواصف الصحراوية الحالية سيكون من الصعب أن نعرف على وجه اليقين أي نوع من الشرق الأوسط سيظهر في نهاية المطاف، ولكن من الواضح بالفعل أن واحدة من أقوى رياح التغيير التي تهب في المنطقة تهب من إيران؛ فقد لعبت دورًا كبيرًا لإذكاء الطائفية البغيضة، وقد تكون في الوقت الحاضر العامل الأكثر تأثيرًا، لكن هذا لا يعني أن الدول الكبرى - ممثلة في الولايات المتحدة - لا تتحمل بعض من المسؤولية؛ فقد غضت النظر كثيرًا عن تدخلاتها في سوريا والعراق..
أزمة المنطقة العربية أنها وقعت بين قبضتَي كماشة، إحداهما إيران، والأخرى إسرائيل ومصالحها؛ فكل منهما يريد منطقة عربية هشة للغاية؛ وذلك من أجل فرض تأثيرهما على الشارع العربي. وفي بعض الأحيان قد يبدو للمرء أن ما يحدث هو اتفاق مبرم بينهما؛ فالأراضي العربية تتآكل من كل اتجاه لمصلحة إيران وإسرائيل. والحل لن يكون من خلال انحياز طرف عربي لأي منهما، ولكن بخروج صوت عربي موحد، يقف ضد كليهما، ويمنعهما من التدخل في الأراضي العربية والاستيلاء عليها.
رياح التغيير في العالم العربي بدأت، لكن قوة التأثير الخارجي من القوى الإقليمية والأجنبية قد تحولها إلى رياح مدمرة لكل المكتسبات العربية خلال قرن من الزمان، ولن يخرج الحل عن استيعابها عبر فعل الشيء الصحيح، وهو مساعدة تلك المجتمعات على إنهاء حالة الصراع المسلح، والخضوع إلى الحوار السياسي الذي يستمع إلى الجميع، ولكن يمنع مزيدًا من التقسيم على طريقة سايكس بيكو.